الاستثمار في الشباب

 

 

 

خلفان الطوقي

 

تتغير أوجه الاستثمار في كل فترة من الزمان حسب المُعطيات والظروف، إلّا الاستثمار في الشباب، لا يختلف اثنان على أهميته، خاصةً في الدول الفتية مثل دول الخليج العربي ومنها سلطنة عُمان، وجميعها تمتاز باستحواذ فئة الشباب فيها على النسبة الأعلى من عدد السكان، وفي بعض هذه الدول تصل نسبة شبابها إلى عدد السكان لنحو 65%.

وتزامنًا مع يوم الشباب العُماني الذي يوافق 26 أكتوبر من كل عام، فمن الضروري الكتابة عنهم، والتذكير بأهمية تسليط الضوء عليهم بشكل إضافي، ومن خلال طرق نوعية تتناسب مع تطلعاتهم التي تتطور يومًا بعد يوم، فلا يكفي أن يكون لهم يوم، ما لم تتبعه قرارات ومبادرات تلامس طموحاتهم سنة بعد سنة.

الجهود الحكومية منذ عام 2022 أصبحت ملحوظة وأكثر تركيزًا، ويجب ألا تتوقف؛ بل يتم تكثيفها، ففي آخر إحصائية لمركز الشباب، وصل عدد المستفيدين من برامج المركز إلى 455 ألف شخص من خلال 380 برنامجًا ومبادرة، قام بتنفيذها 1227 مؤسسة وصاحب عمل.

ورغم هذه الجهود الوطنية المميزة إلّا أن الشباب يحتاج المزيد، ولا بُد من التسريع في عدد من النقاط الجوهرية، وأهمها:

  1. تمكين المسؤولين: بصلاحيات واسعة تضمن لهم التحرك المستقل والسريع من ناحية، وزيادة موازناتهم المالية من ناحية أخرى، ولا ضير في أن تكون مُحوْكَمة؛ فهذا نهج متبع على جميع الوحدات والجهات الحكومية دون استثناء، فتمكين المسؤولين أولوية وركيزة جوهرية، وقد حان الوقت لوضع هذه الخاصية ضمن قمّة الأولويات لأهمية هذا الموضوع الحساس، وحساسيته تكمن في كافة الزوايا.
  2. تنويع البرامج وإعادة هيكلتها: ومراجعة ما يتم القيام به من جهود، وتحديد ما يجب أن يستمر، وما يجب أن يزال، وما يجب أن يضاف الذي يتناسب مع ميول وتوجهات الشباب داخل عُمان وخارجها، وتنفيذها بسرعة هائلة تتناسب مع السرعة المكوكية للعصر، والأهم من هذا وذاك أن يكون التنفيذيون أسرع من متطلبات الشباب.
  3. تكوين فرق فكرية ورصد وتدخُّل مُبكِّر: إذ لا يكفي التنفيذ فقط، وإنما يجب إنشاء وحدة تفكير ترصد ما يحتاجه شبابنا، واستشراف المستقبل، وما يجب عمله في الميدان، وكما تم ذكره في النقطة أعلاه، يجب إعادة هيكلة البرامج والمبادرات حسب المعطيات والمتغيرات، وتقييم جميع البرامج والمبادرات وقياس أثرها المجتمعي والاقتصادي، والتدخل المبكر لتطويرها وتحديدها، ولا بأس في الاستعانة بمراكز بحثية وأكاديمية مستقلة كجامعة السلطان قابوس أو وزارة التعليم والبحث العلمي والابتكار أو غيرها من الجهات المتخصصة؛ فالتقييم العلمي الحيادي يضمن الاستدامة والتجديد، فلغة وتفكير الشباب في تغير مستمر، ولا بُد من فهمها لنكون قريبين منهم، ونصل إلى عقولهم وقلوبهم بكل سهولة، ونضمن تقليص الفوارق فيما بين الأجيال.
  4. تكامل أدوار الجهات الحكومية: سوف يظل الشباب يرى أن الجهود الحكومية لا تكفي، وبالمقابل هناك من يظن أن مركز الشباب هو المعني بالشباب، لكن الحقيقة أن كثيراً من الجهات لها علاقة بالأنشطة الشبابية بشكل أو بآخر، ولابد أن يكون هناك قرار وإرادة سياسية عليا تدعم هذا التوجه، وتضمن تحقيقه ميدانيا من خلال سياسات وإجراءات وقرارات إلزامية ليتحول هذا التوجه من اجتهادات فردية إلى ثقافة حكومية وممارسات مستدامة تضمن احتواء الشباب والاستفادة الإيجابية من طاقاتهم المتجددة التي لا تنضب.

لا شك أنَّ جهود دعم الشباب حثيثة ومحمودة، ويُشكَر عليها مركز الشباب والقائمين عليه، وحان الوقت أن تتحد مع جهوده باقي الهيئات الحكومية، ووضع أطر التكامل الواضحة وخارطة طريق للتنفيذ المشترك؛ إذ إنَّ مسؤولية الاستثمار في الشباب لا يمكن أن تحمل جهة واحدة فقط، وإلّا أصبح الحمل ثقيلًا والأثر ناقصًا.

الأكثر قراءة