رحلة في صفحات رواية علي كفيتان

 

 

 

حسين الراوي

 

منذ أيام قليلة، في الساعة الرابعة عصرًا، وقبل خروجي من المنزل بثوانٍ، لمحت في إحدى زوايا صالة المنزل كتابًا صغير الحجم نسبيًا وقليل الصفحات، لكن عنوانه كان لافتًا، وتصميم غلافه معبّرًا جدًا عن الهوية والجغرافيا.

تذكرتُ حينها أنَّ ذلك الكتاب كان هدية من أحد الأصدقاء قبل نحو عامٍ ونصف العام، وهذا حال أغلب الكتب التي تدخل بيتي؛ إذ تمكث في محطة الانتظار زمنًا قبل أن يحين موعد تصفحها وقراءتها، ما لم يكن الكتاب في ظرفٍ يستوجب قراءته على وجه السرعة، لسببٍ لا يحتمل التأجيل لأكثر من أسبوعٍ أو عشرة أيام.

اختطفت الكتاب على عجل، ووضعته في جيب حقيبة اللابتوب التي ترافقني أحيانًا حين أشعر أن هناك سطورًا جديدة قادمة.

في المقهى، أخرجت الكتاب الذي اختطفته، رواية "مهاجر من ظفار"، وقلت في نفسي: "أرجو أن أجد منذ البداية في السطور الأولى التي سأقرأها ما يدفعني ويفتح نفسي لأكمل القراءة".

ميزاني في هذا الأمر- إكمال القراءة- حساس جدًا، فأنا أظن أني خبير في معرفة قوة الكاتب، واتساع خياله، وقدرته على الإمساك بزمن الحبكة السردية منذ مروري على الصفحات الأولى من الرواية.

ومنذ بداية سطور الرواية، جذبني أسلوب الكاتب علي بن سالم كفيتان، وكلما تعمقت في القراءة، أدركت أن المؤلف يتقن فن الكتابة بشكل جميل، ويصنع عالمه الروائي بتأنٍ ومزاج.

تابعت قراءة الرواية وأنا أعيش رحلة بطلها، الشاب القادم من ريف ظفار في ستينيات القرن الماضي، المغادر إلى دولة قطر بحثًا عن حياة أفضل لعائلته. شعرت بالحنين والغربة والقلق الذي يرافقه في كل خطوة، وتفاعلت مع التحديات التي واجهها في الغربة، وصعوبة الاندماج في بيئات جديدة، والضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي فرضتها عليه الحياة.

كنت أشرب القهوة أثناء القراءة، مستمتعًا بقرار علي بن سالم كفيتان أن يجعل كتابته شبه مباشرة، خالية من الحشو غير الضروري، ومن الاستعراض اللغوي الذي يرهق روح النص ويجلب الملل ويصرف القارئ عن جوهر الفكرة.

وعندما عاد بطل الرواية بعد أربع سنوات إلى ظفار، شعرت بالارتياح معه، بالعودة إلى الوطن، وبالمشاركة في جهود دعم خطوات السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- وانخراطه في قوات الفرق الوطنية، مساهمًا في تحقيق النصر عام 1975.

قرأت صفحات الرواية الـ123 بشغفٍ وعلى مهلٍ، على مدى فنجانين من القهوة، وعلى الرغم من أنَّ حجم الرواية صغير نسبيًا، فإن معانيها كبيرة وأبعادها عميقة؛ فهي تجربة غنية بالتضحية والحنين إلى الوطن، وتُجسِّد براعة الكاتب في الإمساك بالحبكة السردية وعمق المشاعر الإنسانية، مما يجعلها قراءةً جميلة ومُمتعة.

في ختام هذه القراءة، أود أن أشكر المؤلف على روايته الجميلة، وأخبره بأنني أظن أنَّ بعض القراء ينتظرون- مثلي- روايته القادمة إذا كان يفكر في ذلك.

وأشكر أيضًا الصديق الأستاذ عادل متولي الناشر الذي أهداني هذه الرواية وطلب مني قراءتها، فقد كانت تجربة قراءة غنية. كما أود أن أشكر الأستاذ عادل على إدارته الرائعة لدار نشر "بورصة الكتب"، التي تساهم بشكل كبير في نشر الثقافة في سلطنة عمان وغيرها، من خلال انتقائها المتميز للكتب التي تنشرها.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة