صفحات مطوية في ماضي التعليم.. شهادة "المترك" أنموذجًا

 

د. سعيد بن سليمان العيسائي **

وعدتكم أيها القُراء الأعزاء بأنني سوف أشير إلى الدكتور عمر الخطيب، صاحب برنامج بنك المعلومات في مقال مُستقل، له علاقة بالتعليم في ثنايا مقالي السابق المنشور في صحيفة الرؤية بعنوان: (آل الكرمي إبداع فلسطيني عربي رائع).

وها أنذا أَفِي بوعدي، وأُخصص مَقالًا مُستقلًا في صفحة مطوية من ماضي التعليم، ألا وهي شهادة "المترك"، وقبل الدخول في مَقالنا أسألكم: هل سمعتم عن شهادة "المترك"؟

ولا أظن أنَّ كثيرًا منكم سَمِعوا عن هذه الشهادة، وأنا كذلك لم أسمع عن هذه الشهادة، رغم عَمَلِي لعقود في قطاع التعليم بشقيه العام والعالي، وقراءتي المستمرة الدائمة في الكتب التربوية والتعليمية، واطلاعي على سِيَرِ الكثيرِ من العلماء والكًتَّاب والأكاديمين والإعلاميين والصحفيين منذ أن التحقت بقطاع التعليم إلى يومنا هذا.

سَأَلْنَا الأخت الدكتورة نادية بنت سليمان العيسائية أستاذة اللغة الإنجليزية بجامعة التقنية والعلوم التطبيقية، فرع صحار عن هذا المصطلح، فأفادتني بأنها لم تسمع به، وذكرت لي أنهم يستخدمون مصطلحات أخرى في قبول الطلبة هي: (Admition & Enroll) رغم أنها عَمِلَت مُترجمة لعدة سنوات. وهذان المصطلحان يختلفان عن "المترك"؛ لأن "المترك" يُمنح الذي يجتازه شهادة اسمها (Matriculation Certificate) عَثرتُ على هذه الكلمة خلال تصفحي للسِّيرة الذاتية للدكتور الراحل الإعلامي عمر الخطيب الأردني، ذي الأصول الفلسطينية، فاطلاعي على سِيرته وحياته هو الذي قادني للبحث والكتابة عن هذا المصطلح، أو هذه الشهادة.

ذَكَرَ في بداية الحديث عن حياته بأنه حصل على شهادة "المترك الفلسطيني" في العام 1948، وعلى "مترك لندن" عام 1949.

وسوف نعرض إطلاله سريعة على أهم معاني وترجمات هذا المصطلح، أو شهادة (Matriculation).

"المترك": هو إرث الانتداب البريطاني على فلسطين، وله عِدة مفاهيم، أو ترجمات، منها أنها تعني شهادة التعليم الأساسي، أو شهادة الثانوية العامة (المرحلة الأولى)، وبشكل عام تعني التحاق الطالب رسميًا بمؤسسة تعليمية بعد القبول فيها، وتعني باختصار الإلتحاق أو التسجيل الرسمي في مدرسة، أو جامعة، وأحيانًا تُستخدم بمعنى شهادة إتمام التعليم الأساسي في بعض الأنظمة الدراسية.

وتعني بالعربية: الإلتحاق الرسمي بالمؤسسة التعليمية، أو التسجيل الرسمي كطالب في مدرسة، أو جامعة بعد القبول.

وفي الجامعات مثل بريطانيا وأمريكا تعني التسجيل، أو القيد في الجامعات بعد القبول، أي اللحظة التي تُصبح فيها رسميًا طالبًا جامعيًا.

ومن معانيها وترجماتها أيضًا: الحصول على متطلبات التسجيل في مؤسسات التعليم العالي من كليات أو جامعات.

وفي بعض الدُّول مثل الهند، وباكستان، والسودان، وغيرها تُستخدم كلمة (Matriculation) بمعنى إكمال المرحلة الأولى (الصف العاشر) أي أنها تعني شهادة التعليم الأساسي، أو شهادة الثانوية العامة (المرحلة الأولى).

وقد اعتمدنا على مقال فَصَّلَ فيه صاحبه الحديث عن هذه الشهادة وعنوانه: (من المترك إلى التوجيهي: من الندرة والكفاءة إلى الوفرة والضعف) يقول كاتب المقال إنه: " منذ 1926 بدأ الطلبة العرب واليهود تقديم امتحان "المتريكيوليشن" في أواخر كل سنة لمن أنهى الدراسة الثانوية، حيث يخوِّل الامتحان الطالب الناجح دخول الجامعات، وكان يُقدَّم سنويًا، بدون دور إكمال، أو دور ثانٍ، وعلى الطالب أن ينجح في المواد الأساسية الأربع بالإضافة إلى مادتين أو أكثر من المواد الاختيارية ليحصل على الشهادة، وقد أُقر هذا الامتحان عام 1925، يُعرف هذا الامتحان بين الناس بامتحان "المَترِك" ".

ويضيف قائلًا: "ولعل أحدنا سَمِعَ به من أبيه أو جَده أو أقاربه، حيث أصبح هذا الامتحان لاحقًا يجرى بعد الصف السادس الأساسي، ثم بعد الثالث الإعدادي (التاسع) وتحديدًا لمواد: اللغة العربية، واللغة الإنجليزية، والرياضيات الابتدائية، والتاريخ العام، إلى أن توقف تمامًا ".

ولا ندري متى توقف هذا الاختبار على وجه التحديد؟!

أرست مصر بديلًا "للمترك"، وهو "التوجيهي" عام 1955، وبات شرطًا للالتحاق بالجامعات المصرية، حيث يقدم الطالب امتحان التوجيهي، رغم حصوله على "المترك" في بلده.

وفيما بعد اتفقت الدُّول العربية على اعتماده، فاعتمدته الأردن عام 1960، ويُمنح الحاصل عليه، أو لمن اجتازه شهادة مكتوب عليها: (Matriculation Certificate)، ولربما قد تكون المدرسة السعيدية بمسقط بمناهجها ومُعلميها، وقوة خريجيها أقرب إلى نظام "المترك البريطاني"، الذي أقرته بريطانيا في فلسطين أثناء الانتداب البريطاني لأسباب، منها:

أنَّ مُعظم المعلمين الوافدين هم من غزة، التي كانت تابعة لمصر منذ إقرار هذا النظام، وتطبيقه عام 1926، أو من مُدن الضفة الغربية التي كانت تطبق هذا النظام.

ولا أظنُّ أحدًا من المعلمين الفلسطنيين الذين درسوا في هذه المدرسه لم يجتز امتحان "المترك".

يُضاف إلى أنَّ مناهج المدرسة السعيدية ومبناها هي نتاج خِبرات مصرية، كانت تحت السيطرة البريطانية، وبخاصة في مجال التعليم.

ونتمنى أن تسمح الظروف بالكتابة عن صفحة أخرى مطوية من صفحات التعليم المُشرقة.

** كاتب وأكاديمي

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة