فاطمة الحارثية
لقد بلغت جُرأة بعضنا إن لم تكن وقاحة، التدخل في شؤون الآخرين وفكرهم والسعي السلبي لتغيرهم، وكأن قضاء الله وسنته لا تعجبهم، ويخالون أن يأتوا بأحسن منه والعياذ بالله، كل ما على الأرض بهيئته وخُلقه، خُلق لسبب وقدر، وهي جزء من الإشهاد وتمكين حق الأسباب والخيار، وما نحن عليه، وتشكل أمام الآخرين هو نتيجة خياراتنا وأفعالنا وردود فعل من أفعال الآخر؛ سواء أجسادنا أو شخصياتنا؛ فالأجساد تتشكل من بيئتنا، وبتفاعلنا مع المجريات حولنا، فإن أحسنت حسن الجسم وإن أسأت ساء وتشوه.
كذلك شخصياتنا، هي مرآة ذاتية وخارجية، أم التربية فهي قناعات ومعتقدات اخترنا إما أن نعتنقها أو نُعاديها، فما دخل الآخر ليهدد ويُهين وكأنه الصواب المطلق، فأنا صواب احتمل الخطأ، وأنت خطأ قد تحتمل الصواب، ولك حق النصيحة بالكلمة الطيبة، ولنا حق القبول أو الرفض.
كثيرًا ما تعمقت في غرائزنا والسلوكيات المحتملة لها، والرغبة في التغيير احد الغرائز الذي قد تصل لدرجة الهوس لدى البعض، وقد شهدنا في كثير من الأحيان أن يفقد هذا الساعي بوصلة الطريق، فينس ماذا يريد أن يُغير، ولماذا، وما النتيجة التي يُريد تحقيقها، وهنا يصبع هوسه تدميرا لا تعميرا؛ والبعض الآخر يتطاولون على الغير ويرغبون بتغيير شخصياتهم، دون خارطة واضحة للتأثير الذي قد يُحدثه بعد هذا التغيير؛ سواء الشخصي أو المُجتمعي، هو- أو هي- يرى فقط أن على الشخص المرصود أن يتغير ويُغير سلوكه، دون أي عمق أو بُعد للتأثير الذي قد يحدثه تغيره، فمثلما لكل سلوك أنصار ثمة أعداء أيضًا، وعادة ما قد تُقبل لدى أسرة أو مجتمع لكنها قد تكون منبوذة وسلبية لدى أسرة أخرى أو مجتمع متباين.
هذا ظلم واضح وانتهاك عظيم من أفراد تنقصهم كل حجج التغير غير السطوة أو السلطة التي لديهم، وهي مثلها مثل الحياة مؤقته، فكيف سيكون حال الذي تم تطويعه وقَبِل أن يتغير، في حال تغير زمن والبيئة والناس من حوله؛ فإنْ أردت التغيير لا بد من خطة واضحة لبلوغ نتيجة إيجابية، وأن يكون التغيير في الأحداث وليس الناس، ولتكن على يقين أن لا أحد يُريد أن يكون نسخة من ناقص، وإن أحسنت في نفسك ربما يوما ما سيراك أحدهم قدوة، فيقتدي بك، بدل أن تفرض عليه خُلقك وفكرك.
حتى الإخوة في تفاعلهم مع الأحداث ليس دائمًا متشابهًا، ولقد شهدنا أبناءً بشخصيات تختلف تمامًا عن آبائهم، وهذه رحمة بيننا؛ فنتائج السلوك السلبي يُنبهنا ويعلمنا، ونتائج السلوك الإيجابي يوجهنا، وكلاهما تطوير وتعلم مستمر.
المجتمع لا يحتاج نسخًا متشابه، وينقص منه التباين بين أفراده؛ فالقوي يساعد الضعيف والضعيف يشهد للقوي ويشد عضده، والغني يساهم في استقرار الفقير، والفقير يعزز من إسهامات الغني، كُلٌ يغذي نقصه الاجتماعي والفكري في الآخر.
لنتصور مجتمعًا جميع أفراده أقوياء، سوف ينفي ذلك صفة القوة؛ لأنه لا توجد مقارنة فعلية لتساوي الموجود، ولن يشعر القوي بأنه قويٌ، وأن عليه واجبًا وله حقوق، فيفقد المجتمع صفة الرعاية والرحمة بينهم، لعدم وجود الأسباب والاختلاف.
على حُبي للقراءة، لم أُفكِّر أن أفرضها على أحد أو أن أجعله أمرًا مُقدَّسًا يجب على الجميع فعله؛ لأن الاختلاف نعمة، والشغف درجات وأنواع ومذاهب.. فلنحترم بعضنا ونقر بنقصنا لنعزز العلاقات النوعية وليس الكمية.
إن طال...
عندما يمتلك المرء قيمًا ومبادئ، تسري عليه فتن الجهل والسطوة، وتُستخدم معضلة العموم والتقليد خنجرًا تؤرِّق كل خير يسعى إليه.. فرويدًا رويدًا.. إنَّ الساعة قريبة والحكم في يومه حق قاطع.