أين الخلل؟!

 

 

 

مدرين المكتومية

ثمَّة حالة من الإحباط القاتم وفقدان الأمل تنتشر في مجتمعنا بشكل ملحوظ وخاصة بين فئة الشباب، نتيجة للأوضاع الاقتصادية والكساد الذي لا يخفى على أحد، فأعداد الباحثين في تزايد والتسريح حدِّث ولا حرج، وأيضًا أوضاع الكثير من المؤسسات الخاصة على المحك، فهي دائرة تدور على بعضها، تضعف مؤسسات القطاع الخاص، تقوم بعملية إعادة تنظيم لعملها وتضطر لتقليص فئة العاملين وبالتالي تستمر القصة التي لا نهاية لها.

وكما نعلم جميعاً أن الكثير من الدول مهما كانت تعاني فإنها تعمل جاهدة نحو تحقيق مكانتها وحفظ استقرارها في هذا الزمن الصعب، وإن كانت القوة الخشنة ذات يوم هي أساس صنع هذه المكانة؛ فالأمر قد تغير ولم تعد وحدها القادرة على تحقيق ذلك، حيث إن ما يسمى بالقوى "الناعمة " من ثقافة وإعلام وفن تلعب دورًا رئيسيًا في ذلك؛ فهي الوسيلة الأعمق أثرًا والأقل كلفة في صناعة التأثير وتوجيه العالم والعمل على رفع السمعة وبناء الصورة الذهنية لدى العالم تجاه بلد بعينه؛ فالثقافة اليوم وفي العصر الحالي ليست ترفاً بل هي قوة ورأس مالي ورمز يعكس صورة البلد وموقعها بين الأمم والشعوب.

ورغم اليقين التام بذلك إلا أنَّ هناك في المقابل إدراك محدود وربما متجاهل من البعص وهو أن "الإعلام" ما يزال أحد أبرز وأهم أدوات القوة الناعمة، ولكن يرى البعض أنه مجرد عبء وخطر ينبغي الحذر منه، والخوف من التجاوب معه على أنه وسيلة من وسائل تشكيل الرأي العام وأيضا بناء الصورة الذهنية لدى الناس، والرسالة الحقيقية لانعكاس جهود الحكومة في أي قطاع تنموي، وبذلك بدلا أن يصبح شريكاً في التنمية الوطنية، يكون مثل شخص يعاني من وباء يجبر الناس على الهرب منه بدلاً من البحث له عن علاج، وهنا تكمن المفارقة وربما تكون النهاية الحتمية له.

فكما نعلم جميعًا أن الإعلام الحقيقي ليس خصماً لأحد؛ بل هو مرآة تعكس الواقع بصدق وتسهم بصورة كبيرة في تحسينه من خلال طرح القضايا ومعالجة التحديات والكشف عن الحقيقة ومحاربة الشائعات بموضوعية مطلقة وبحياد تام دون الانحياز والتشكيك، وبمجرد أن يتم تجاهل دوره وقيمته وتحييده يُسهم بصورة كبيرة في اتساع الفجوة بين المسؤول في الحكومة والمجتمع، مما يجعل الأمور تكون أشبه بمعركة الخاسر فيها الوحيد هي "الحقيقة"، فوضى لا تقود سوى بجعل الحقيقة مغلوطة، والخطأ محتمل الصواب، فنصبح بذلك قد فتحنا الأبواب بأنفسنا لنشر الشائعات والأفكار السامة والمعلومات غير الدقيقة لتملأ الفراغ لدى الكثير من النَّاس، وفي مثل هذه الأوضاع يصبح الإعلام القوي والمسؤول ضرورة لا ترفاً لأنه القادر على نقل صوت الناس بصدق وشفافية وتسليط الضوء على قصص النجاح والأفكار الإيجابية ويعمل جاهداً ليشرع  نوافذ الأمل وسط الأزمات الطاحنة.

إنَّ هذا الدور لا يمكن أن يتحقق ما لم يكن هناك إيمان حقيقي من المؤسسات بدور الإعلام المرحلي، وتقديم الدعم الملموس له كجزء من منظومة التنمية الشاملة، لا كأداة تكميلية تستدعى وقت الحاجة فقط، فعلى الرغم من اهتمام الكثير من مؤسسات الدولة بالنشر الصحفي وإعطاء المساحات لإنجازاتها إلا أنها لا تدرك أن التكامل يتطلب أيضا دعماً متواصلاً لتلك الجهود التي تعكس الأدوار التنموية التي تقوم بها تلك المؤسسات، فالتكاملية التي نتحدث عنها بين الإعلام ومختلف قطاعات الدولة تبنى على مفهوم بسيط وصريح وواضح وهو " الأخذ والعطاء" فلا تتحقق بالتصريحات؛ بل بالشعور الصادق بأهمية الإعلام كشريك وبالاقتناع التام أنَّ دعمه ليس مجاملة بل واجب وطني.

إن الاستثمار في الإعلام هو استثمار في الثقة والوعي والانتماء والأمان، فالقوة الناعمة التي تبنيها الكلمة الصادقة والصورة الواعية لا تقل أثرا عن أي مشروع تنموي أو اقتصادي تتبناه الحكومة وتسهم في نموه، فحين تدرك المؤسسات أن الإعلام هو الوجه الآخر للنمو والرفعة عندها سيكون هو جسر التواصل، وتصبح الرسالة الوطنية أكثر وضوحاً وأكثر تأثيرًا والمجتمع أكثر ثقة وتقبلا وتفاعلا وانتماءً لكل ما يحدث في وطنه.

الأكثر قراءة