"طوفان الأقصى" الذي عرّى الاحتلال

 

 

 

 

سالم بن نجيم البادي

 

طوفان الأقصى- نتَّفق أو نختلف مع من قاموا به- هل كان مُجازفة أو مُغامرة غير محسوبة العواقب؟ هل كان تهورًا أو انتحارًا؟ وهل غفل من خططوا له عن تبعاته الكارثية؟

لا أعتقد ذلك؛ لأنَّ من نفذوا طوفان الأقصى هم أعلم النَّاس بعدوّهم، وبشراسته وعدوانيته وإرهابه وإجرامه. لقد أذاقهم هذا العدو كل أنواع العذاب والقهر والتنكيل والقتل والاغتيالات التي تلاحق الإنسان الفلسطيني في كل بقاع الأرض، والمجازر المستمرة منذ أكثر من سبعين سنة، والتهجير، وسرقة الأرض وتجريفها واقتلاع الأشجار وتخريب المزروعات وسرقة المياه، مع الإذلال على الحواجز المُقامة في كل شبر، والاعتقالات العشوائية، والتحقيق المقترن بالتعذيب، وقد ضاقت السجون الإسرائيلية بالمعتقلين من الرجال والنساء والأطفال والمحتجزين إداريًا دون محاكمة.

كما يُغلَق المعبر بين حين وآخر لمنع دخول الطعام والوقود، مما يعني انقطاع الكهرباء والماء وتوقف المصانع وإصابة الحياة كلها بالشلل التام. وفي هذا عقاب جماعي لكل النَّاس.

لقد استمر حصار غزة أكثر من سبعة عشر عامًا، حصارًا خانقًا برًا وبحرًا وجوًا.

إنِّه احتلال بغيض ومجرم وعنصري حاقد، قائم على الكراهية والحقد والغرور والطمع في التوسع على حساب الشعوب الأخرى. وأجزم أنَّه لو أنَّ أي شعبٍ تعرّض لما تعرّض له الشعب الفلسطيني، لفعل مثل ما فعل أهل غزة وأكثر.

إنَّ هؤلاء المتعجرفين المهووسين بالتعالي والوهم والكذب والخداع، شذاذ آفاقٍ قدموا من كل بقاع العالم هروبًا من تاريخهم الدموي الأسود الذي عُرفوا به بين شعوب الأرض. كل الصفات القبيحة كانت تلاحقهم عبر التاريخ.

وبعد كل هذا، يأتي من يلوم من نفذوا طوفان الأقصى ويتحدث عن الإبادة الجماعية وعدد القتلى والتجويع والتدمير!

وقد تناسى هؤلاء، بقصد أو بغير قصد، أن كل الشعوب التي تحررت من الاستعمار عبر التاريخ ضحّت بملايين البشر الذين قُتلوا في سبيل الحرية والكرامة. وفي التاريخ المعاصر نذكر الجزائر واليابان وفيتنام، ودولًا كثيرة مات أهلها في سبيل الوطن؛ بل إن البشر قد يموتون نتيجة الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والزلازل.

وهنا.. لا نُرحّب بالتأكيد بالقتل ولا نستهين بالشهداء الذين قُتلوا في غزة، وعددهم يتجاوز 66 ألفًا؛ فالنفس الإنسانية غالية، لكن هذا شأن الحروب في كل مكان، والحرية تستحق التضحية.

ولا خيار لأهل غزة سوى الصمود والتضحية، فقد جرّبوا الجنوح إلى السلام في اتفاقية أوسلو، ولكن لم يتغير شيء، وبقي الاحتلال جاثمًا على صدورهم.

لقد أعاد طوفان الأقصى الزخم إلى قضية الشعب الفلسطيني، ورأينا مُعظم شعوب العالم تنتفض تضامنًا مع الفلسطينيين. وأظهرت الاستطلاعات في الولايات المتحدة الأمريكية- وهي معقل الدعم والتأييد لإسرائيل- انحسار هذا الدعم. كما اتفقت دول كثيرة على ضرورة محاكمة قادة الاحتلال لدى محكمة العدل الدولية، وصار التعاطف سيلًا هادرًا مع قضية الشعب الفلسطيني عند كل أصحاب الضمائر الحية والقلوب الرحيمة وأنصار الحق والعدل والإنسانية.

لقد عرّى طوفان الأقصى الاحتلال، وكشف وجهه القبيح، وارتفع الصوت الفلسطيني ووصل إلى العالم كله.

الأكثر قراءة