سالم بن نجيم البادي
ما كنت أرغب في الكتابة عن التَّقاعد مرةً أخرى بعد أن قلت كل شيء عن أحوال المتقاعدين وأمنياتهم ومشكلاتهم في مقالي السابق "أيها المتقاعد دبّر نفسك"، وبعد ردود الفعل الكثيرة في وسائل التواصل الاجتماعي والمجتمع، إذ أجرت معي إذاعة الوصال حوارًا بعد الانتشار الواسع لذلك المقال.
لكن تواصل معي أحد المواطنين وألحّ عليَّ أن أكتب مرة أخرى عن المتقاعدين، وأرسل إليّ رسالة وطلب مني أن أنشرها وألاّ أُخيب ظنه.
وإليكم ما قاله هذا المواطن:
"يقول المثل: من يده في النَّار ليس كالذي يده في الماء. يعتقد بعض المسؤولين أنَّ المتقاعد يعيش في راحة لأنه يتقاضى معاشًا، وكأنهم لا يعلمون أن هذا المعاش غير كافٍ، وأن المتقاعد مُثقل بالمسؤوليات الجسيمة. هذا المتقاعد قضى سنوات طويلة من عمره في خدمة وطنه وتربية أبنائه التربية الصالحة ليكونوا له عونًا عندما يتقدم به العمر.
وعندما يُحال إلى التقاعد، يتوقع أن يتولى الأبناء عنه حمل بعض الأعباء المادية والأسرية، غير أن الواقع الراهن يُظهر أن معظم الأبناء يتقاضون رواتب زهيدة لا تكفي حتى لمصروفاتهم الخاصة، وبعضهم لا يزال يبحث عن عمل، أو تم تسريحه من وظيفته.
وفي كثير من الأسر، يعتمد الجميع اعتمادًا أساسيًا على معاش الأب المتقاعد، الذي يتوزع بين سداد القروض البنكية والتمويل والمصاريف الشخصية، والمساهمة في نفقات المنزل، وسداد فواتير الماء والكهرباء التي تُثقل الكاهل، إلى جانب فواتير الإنترنت والهواتف، ومتطلبات الأسرة الضرورية من طعام وملبس ووقود للسيارات، وإصلاح الأعطال المنزلية والمركبات.
كذلك نجد من المتقاعدين من يستخدم سيارته منذ أكثر من عشرين عامًا، وقد يحتاج هو أو أحد أفراد أسرته إلى العلاج في العيادات الخاصة بسبب تأخر المواعيد في المستشفيات الحكومية، وكل ذلك يتطلب مصاريف إضافية.
وهنا نتساءل: لماذا تُقطع علاوة غلاء المعيشة عن الموظف عندما يُحال إلى التقاعد؟
إنَّ المتقاعدين أصحاب المعاشات الزهيدة أصبحوا غير قادرين على تحمّل تكاليف معيشة أسرهم، والحل- برأيي- بيد المسؤولين من خلال زيادة معاشات المتقاعدين.
فعلى سبيل المثال:
• من كان معاشه التقاعدي 500 ريال فأقل تُزاد معاشاته بنسبة 50%.
• ومن كان معاشه 700 ريال فأقل تُزاد بنسبة 40%.
• ومن كان معاشه 1000 ريال تُزاد بنسبة 25%.
وهذا أضعف الإيمان.
إن بعض الأبناء يعيشون مع آبائهم المتقاعدين برفقة زوجاتهم وأطفالهم، مما يزيد الأعباء على كاهل الوالد الذي يتحمّل مسؤولية أسرة كبيرة. كما أن أغلب المتقاعدين عليهم ديون وقروض بنكية، فماذا بقي من معاشهم؟ ومتى سيرتاح هذا المتقاعد، خاصة إذا تجاوز عمره الستين عامًا؟
والسؤال الأخير موجه إلى من بيدهم الأمر في هذا البلد الكريم: لماذا يحظى المتقاعدون في دول أخرى بالتقدير والاحترام نظير ما قدموه من خدمات لبلدانهم، ويحصلون على معاشات مُجزية وتسهيلات وإعفاءات وخدمات مجانية في الجهات الحكومية والخاصة، بينما المتقاعد عندنا إذا احتاج إلى تقرير طبي يُطلب منه دفع قيمته مقدمًا؟ وإذا أراد الانضمام إلى نادٍ رياضي فعليه دفع الرسوم كاملة كغيره من النَّاس؟
فأين هي الخدمات المجانية أو شبه المجانية أو المخفضة للمتقاعدين في بلادنا؟
فبلادنا، ولله الحمد، فيها الخير الكثير، والمتقاعدون يستحقون أن ينالوا نصيبهم من هذا الخير.