د. محمد بن خلفان العاصمي
الجميع تابع ما يحدث لأسطول الصمود العالمي، ذلك الأسطول الذي أصر على كسر حصار غزة بطريقة سلمية تهدف إلى إدخال مواد غذائية وطبية للمحاصرين المعزولين عن العالم، والذين ترتكب فيهم جرائم لا إنسانية من قتل وتجويع وترحيل قسري وهدم لبيوتهم، في وضع سوف يبقى وصمة عار في جبين الإنسانية وسوف يخلده التاريخ كما خلد أحداثاً مشابهة في التاريخ البشري المليء بالظلم والطغيان والوحشية، دون أن يكون لهذا الأسطول أي هدف عسكري.
من عاصر حرب سراييفو في تسعينيات القرن الماضي يدرك أوجه التشابه بين القضيتين، فالإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي مارسته القوات الصربية بمساندة من الغرب وبصمت دولي فاضح ضد المسلمين من أبناء البوسنة والهرسك المسلمة ومذبحة سربرنيتشا تؤكد أنَّ الإسلام كان ومازال هو الهدف، وما يفعله الصهاينة وبمساندة الغرب في فلسطين لا يختلف عن تلك الحرب ويثبت أنَّ هذه الحرب دينية بكل المقاييس.
في سراييفو لم تكن الآلة الإعلامية كما هي اليوم، ووقتها استغل قادة الحرب الصرب الوضع وقاموا بأشنع الجرائم في حق المسلمين، وعندما انتهت مهمتهم الخبيثة تحرك العالم المنافق وقدم أكباش فداء للمحاكمات ليوهموا النَّاس أنهم حراس العدالة في هذا الكوكب، مدعين عدم قبولهم بما حدث في وقت كانت أساطيل الأسلحة تفرغ شحناتها في بلجراد على مرأى ومسمع العالم.
غزة وسراييفو وجهان لعملة واحدة، وصورة واضحة للنفاق الغربي الذي كان دائمًا مساهمًا في كل ما يتعلق بالقضاء على الإسلام والمسلمين، وما أختلف الآن فقط هو أن الإعلام اليوم ليس كما كان قبل خمس وثلاثين سنة، فقد فضحت وسائل الإعلام الحديثة الممارسات الوحشية التي تمارسها قوات الاحتلال الصهيوني بحق شعب أعزل في بقعة صغيرة محاصرة من كل الاتجاهات، ومكنت العالم من مشاهدة كل ما يحدث وعلى الهواء مباشرة.
ما فعلته وسائل الإعلام الحديثة في حرب غزة جعل العالم يشاهد بعينه ازدواجية المعايير والقيم والمبادئ لدى حكومات العالم الغربي، وكشفت لهم إلى أي مدى كانوا مخدوعين ويعتقدون أن حكوماتهم تنشر السلام في العالم، وأنها تبذل جهودًا لتخليص العالم الفقير من وضعه السيئ والأخذ بيده نحو الحرية والعدالة، وعرف العالم كيف أن الحرية التي كانت تتشدق بها حكوماتهم ما هي إلا ستار يغطي جرائمهم بحق الشعوب المغلوبة.
لقد بلغ النفاق الغربي ذروته وعندما انكشف أمره وأصبح مفضوحًا أمام الشعوب الحرة تجرد من رداء الحمل الوديع وأظهر وجهه الصلف الحقيقي وأعلن بكل وقاحة دعمه للمشروع الصهيوني الإجرامي، ولم يعد يخفي كل ذلك وهو ما نشاهده ونسمعه من تصريحات ودعم عسكري ولوجستي للكيان الصهيوني المحتل، وهو ما دعا هذه الشعوب لتخرج عن صمتها وتتحول إلى صرخة حرة في جميع أنحاء المعمورة رافضة لما يحدث في غزة، وخجلة من النفاق الغربي ودعمه لهذا الاحتلال البغيض.
لقد أظهرت الشعوب الحرة دعمها الكامل للقضية الفلسطينية وهو ما شاهدناه في الدورة الثمانين للأمم المتحدة عندما عبر قادة العالم الشريف عن رفضهم الشديد لما يحدث في فلسطين عامة وغزة خاصة، ومازالت المظاهرات مستمرة في عديد الدول المصدومة من نفاق حكوماتها التي كانت تخفي عنها حقيقة هذا النظام الفاشي.
إنَّ الحرية المزيفة التي يدعيها الغرب ما هي إلا حلقة في سلسلة طويلة من تاريخ مظلم قاتم موغل في الاستبداد والعنصرية والظلم فمن محاكم التفتيش إلى سياسة الفصل العنصري إلى الاستعمار الإمبريالي إلى التطهير العرقي ظلت الحضارة الغربية تتلون وتتغطى بستار النزاهة والحرية والعدالة والمساواة لتحقيق أهدافها في السيطرة على العالم وموارده واستعباد الشعوب ونهب ثرواتها، وما غزة إلّا وصمة عار جديدة في وجه العالم الغربي الذي امتلأت صفحاته بالوصمات.