أثر وجودك

 

 

ريم الحامدية

reem@alroya.info

 

بين صخب الطرقات وهمسات الرياح، ودوامة الساعات التي لا تتوقف، نعيش كل يوم كرحلة على عجلة الزمن، نفتح أعيننا على فجر قد لا نكون مستعدين له، نخطو على أرض متعبة، نحمل في صدورنا أعباء الأمس وأحلام الغد، ونمر بين وجوه لا تعرفنا، وبين ضحكاتٍ لم نشاركها. كم مرة قمنا من النوم مرهقين؟، وكم مرة أكملنا يومنا رغم التعب الذي يعتصر أجسادنا؟ كم مرة تخلفنا عن حفل أو لقاء عائلي؟ وكم مرة أرهقنا الخوف من الأيام المُقبلة؟

ورغم كل هذا وذاك، هناك قوة لا ترى، ولا حتى تُقاس بالساعات، لكنها تصنع المعجزات داخلنا وهي أثر الدعم المعنوي والذي يتجلى بكلمة طيبة، وابتسامة صادقة، ولمسة من التفهّم، تصنع فرقًا يفوق كل التعب. حين نسمع من يُؤمن بنا، نكتشف أنَّ الطريق المظلم لا يخلو من نور، وأن الفشل ليس نهاية الحكاية، فالدعم المعنوي يجعلنا نستمد القوة من أنفسنا ومن من حولنا، يحوّل كل لحظة تعب إلى درس، وكل يوم مليء بالمشقة إلى تجربة تستحق أن نعتز بها. هو ذلك الأثر الذي يزرع في قلوبنا الشجاعة، وفي أرواحنا الحلم، ويذكرنا أننا لسنا وحدنا في مواجهة تقلبات الحياة، إنَّ هذا الأثر المعنوي يمر في لحظاتنا كنسمة خفيفة في يوم حار، يوقظ فينا القوة المضمرة، ويحوّل تعبنا إلى دفء، ويعبر كنسيم رقيق يمر بين ألوان الحياة المتعبة، يوقظ الشجاعة في أرواحنا، ويزرع بذور الحلم في صحراء التعب، ويذكّرنا أننا لسنا وحدنا في هذه الرحلة، حين يمتدّ لنا أحدهم بكلمة تشجيع أو همسة أمل، نشعر فجأة أن الطريق المظلم يضيء، وأن العثرات ليست نهاية، بل مفاتيح أبواب جديدة لم نكن نحلم بفتحها.

دعم الأشخاص من حولنا لا يقاس بما يفعلونه لنا؛ بل بما يثيرونه داخلنا من قوة، وبما يزرعونه في أرواحنا من شجاعة خفية، كم مرة وقفنا على حافة التعب، وكنَّا على وشك الاستسلام، ثم وجدنا كلمة طيبة، نظرة صادقة، أو همسة تفهم، فتغير مجرى يومنا، فتولد فينا الطاقة لنكمل الطريق؟ كم مرة جعل حضورهم، ولو بصمتهم، قلبنا يضخ الأمل مرة أخرى، حتى حين لا يستطيعون أن يحملوا عنا الأثقال، فإنَّ وجودهم معنا، وتشجيعهم، يكفي لنشعر بأننا قادرون على إكمال الرحلة، وأن الطريق، مهما اشتدت صخوره، يمكن أن نمشيه، بخطوات صغيرة، بخطوات صامتة، لكنها ثابتة. دعمهم يجعلنا نكتشف في أنفسنا ما لم نكن نعلم بوجوده، ويزرع في حياتنا شعاعًا من الأمل، يجعل كل تعب يهون، وكل فشل يُصبح درسًا، وكل يوم متعب يصبح فرصة جديدة.

الدعم لا يُقدر بثمن، ولا يحتاج إلى إنجاز كبير، يكفي أن تسمع، "أنا معك… أنت لست وحدك"، أنا "مؤمن فيك" فدعونا نصنع في حياة الآخرين مساحة أمان، لحظة أمل، شعاع ضوء في زمن العواصف. فكل شخص نرفع من روحه، كل قلب نزرع فيه القوة، يجعل العالم أكثر دفئًا، وأكثر قدرة على الحب، وأكثر إصرارًا على الاستمرار، حتى حين نكون جميعًا منهكين، يظل الإنسان يدعم الإنسان، وتستمر الرحلة.

لا تبخلوا… لا تحتفظوا بالأمل لأنفسكم فقط، أهدوه للآخرين، وازرعوه في قلوبهم، فكل دعم صغير، كل كلمة مُشجِّعة، كل ابتسامة صادقة، تكتبُ قصةً جديدةً للإنسانية، تجعل الرحلة أخف، وتجعل من العالم مكانًا أكثر جمالًا وأكثر دفئًا.

الأكثر قراءة