فصل جديد في العلاقات الصينية الأمريكية

 

 

 

تشو شيوان **

في تصوُّري، تحمل المكالمة الهاتفية الأخيرة التي جرت بين الرئيس الصيني شي جين بينغ ونظيره الأمريكي دونالد ترامب، دلالاتٍ عميقةً تتجاوز مجرد تبادل وجهات النظر، وأجد أنَّ هذا النوع من التواصل المباشر على مستوى القادة بات يُشكِّل أداة فعَّالة لتوجيه دفة العلاقات الثنائية، خاصةً في مرحلة تشهد فيها الصين والولايات المتحدة الكثير من التحديات والتقاطعات.

ومن الملاحظ أنَّ المكالمة لم تقتصر على استعراض الملفات التقليدية؛ بل ركَّزت على وضع أُسس استراتيجية لتحقيق استقرار في العلاقات، وهو ما يعكس إدراك الطرفين بأنَّ الصراع أو التوتر المستمر لن يخدم أي طرف؛ بل قد ينعكس سلبًا على الاقتصاد العالمي بأسره، وما يثير اهتمامي هو أن هذه المكالمة بعثت إشارة إيجابية بعد سلسلة من المفاوضات الاقتصادية والتجارية بين الجانبين، وكأنها جاءت لتؤكد أنَّ الحوار لا يزال الخيار المفضل لدى القوتين الأكبر في العالم.

وهذا مؤشر مُهم على وجود إرادة سياسية حقيقية لتوسيع نطاق التعاون، ليس فقط في الاقتصاد والتجارة؛ بل أيضًا في قضايا أخرى أكثر حساسية، وأجد أن هذه المكالمة- وهي الثالثة بين الزعيمين خلال هذا العام- تُرسِّخ اتجاهًا جديدًا في العلاقات الثنائية يقوم على "دبلوماسية الرؤساء"، هذا النمط من التواصل المباشر؛ مما يضفي قدرًا من المرونة والسرعة في التعامل مع الملفات الكبرى، مُقارنة بالمسارات البيروقراطية التقليدية.

في الفترة من 14 إلى 15 سبتمبر الجاري، أجرى نائب رئيس مجلس الدولة الصيني، خه لي فنغ، محادثات مع زير الخزانة الأمريكي جيفري بيسانت والممثل التجاري جرير في مدريد بإسبانيا. ونفّذ الجانبان بفعالية التوافق المهم الذي تم التوصل إليه خلال المكالمة بين الرئيسين، مستفيدين بشكل كامل من آلية التشاور التجاري الصينية الأمريكية. واستنادًا إلى الاحترام المتبادل والتشاور المتساوي، أجرى الجانبان اتصالات صريحة ومعمقة وبناءة حول القضايا الاقتصادية والتجارية ذات الاهتمام المشترك؛ بما في ذلك تطبيق "تيك توك". وفي 10 سبتمبر، أجرى وزير الخارجية الصيني وانغ يي، اتصالًا هاتفيًا مع نظيره الأمريكي روبيو، وأكد وانغ أنه يجب على الجانبين الالتزام التام بالتوجيهات الاستراتيجية لرئيسي الدولتين، وتطبيق التوافقات المهمة التي توصلا إليها. وفي 9 سبتمبر، أجرى وزير الدفاع الصيني دونغ جون مكالمة فيديو مع نظيره الأمريكي هيغسيث، وأكد دونغ أهمية الحفاظ على الانفتاح والتواصل والتبادلات، وبناء علاقة عسكرية مستقرة وإيجابية قائمة على الاحترام المتبادل والتعايش السلمي واحترام المصالح الجوهرية لكلا الجانبين. وتشير هذه المكالمة الهاتفية إلى أن العلاقات الصينية الأمريكية قد دخلت مرحلة جديدة، مما قد يؤدي إلى عقد قمة.

ونعرف أنَّ العلاقات الصينية الأمريكية قد مرَّت هذا العام بثلاث مراحل: من يناير إلى أوائل مايو، كانت مرحلة "حرب الرسوم الجمركية" هي المحور الرئيسي بين الجانبين. وبعد المكالمة الهاتفية في الخامس من يونيو بين رئيسي الدولتين، دخلت الدولتان مرحلة "الحوار والتفاوض"، والتي لعبت أيضًا دورًا توجيهيًا مُهمًا في المفاوضات الاقتصادية والتجارية الصينية الأمريكية. وبعد فعالية احتفالية يوم النصر في الثالث من سبتمبر، دخلت العلاقات الصينية الأمريكية مرحلة ثالثة وبدأ الجانبان التحرك في مجالات الاقتصاد والتجارة والدفاع والدبلوماسية؛ مما خلق الظروف للقاء بين رئيسي الدولتين وساهم في تحسين الأجواء في العلاقات الثنائية. وبشكل عام، ساهمت هذه المكالمات بشكل فعال في ترسيخ الوضع المستقر للعلاقات الصينية الأمريكية واستمرت في استقرار اتجاه العلاقات الصينية الأمريكية في مواجهة بعض الفرص والتحديات.

وعلى الرغم من أنَّ المكالمة الهاتفية بين الزعيمين والقمة المستقبلية المحتملة بين رئيسي الدولتين تُشكِّل عوامل إيجابية للتطور المستقبلي للعلاقات الصينية الأميركية، إلّا أن الصين والولايات المتحدة لا تزالان تواجهان لعبة شرسة، ومن غير المرجح أن يكون هناك الكثير من التغيير في الفترة القريبة. وخلال هذه الأيام، انخرطت الصين والولايات المتحدة في جولة جديدة من المنافسة في مجال التكنولوجيا الفائقة. في 12 سبتمبر؛ حيث أعلنت الحكومة الأمريكية عن إضافة 32 شركة إلى قائمة الكيانات؛ بما في ذلك 23 شركة صينية. وردًا على ذلك، أعلنت وزارة التجارة الصينية في 13 سبتمبر عن إطلاق تحقيق لمكافحة التمييز في الإجراءات الأمريكية ضد الصين في قطاع الدوائر المتكاملة. وصرح المتحدث باسم وزارة التجارة الصينية أنه في السنوات الأخيرة، طبَّقت الولايات المتحدة سلسلة من المحظورات والقيود على الصين في قطاع الدوائر المتكاملة، بما في ذلك تحقيقات المادة 301 وتدابير مراقبة الصادرات. ويُشتبه في أن هذه الممارسات الحمائية تُميُّزٌ ضد الصين، وتهدف إلى كبح وقمع تطوير الصين لصناعات التكنولوجيا الفائقة مثل رقائق الحوسبة المتقدمة والذكاء الاصطناعي. إنها لا تضر بمصالح التنمية الصينية فحسب؛ بل تقوض أيضًا بشكل خطير استقرار سلسلة صناعة أشباه الموصلات العالمية وسلسلة التوريد، وتعارض الصين ذلك بشدة.

ما يلفت انتباهي أن الصين، ورغم هذا الضغط، ما زالت حريصة على إرسال إشارات إيجابية حول إدارة واستقرار العلاقات الثنائية. وفي الوقت نفسه، تظهر ثقة واضحة في قدرتها على مواجهة هذه التحديات وحماية مصالحها الوطنية، وأجد أن هذا الموقف المزدوج- الانفتاح على الحوار مع الاستعداد للتصدي- يعكس معادلة دقيقة تسعى بكين إلى الحفاظ عليها، ومن ناحية أخرى فإنَّ الصين مستعدة تماما وقادرة على الدفاع عن مصالح البلاد وشعبها وحماية الاستقرار الأساسي في العالم والمنطقة.

وخلاصة القول.. إن تحسين العلاقات الثنائية يحتاج إلى الجهود المشتركة بين الجانبين، وذلك لا يسهم في تعميق التعاون المثمر بين الجانبين فحسب؛ بل يسهم كذلك في حماية السلام والتنمية والاستقرار في العالم بأكمله.

** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية

الأكثر قراءة