يوميات من مجلس الإدارة
سهام بنت أحمد الحارثية
خرجتُ من أحد لقاءات رجال الأعمال التي نظمتها غرفة تجارة وصناعة عُمان، وقد كانت الأجواء مليئة بالابتسامات، والكاميرات تتحرك، والكلمات الترحيبية تُلقى، وبطاقات العمل تُتبادل بسلاسة، لكن، وأنا أغادر القاعة، تساءلت مع نفسي هل ستبقى هذه اللقاءات حبرًا على ورق وصورًا على الصفحات؟ أم أنَّها ستثمر عن شراكات حقيقية نستطيع أن نحسبها بالأرقام؟
الغرفة، ومنذ تأسيسها، هي بيت القطاع الخاص، ومنصته للتعبير عن تطلعاته، وجسر تواصله مع العالم وحسب التقرير السنوي لعام 2023، فقد نُظِّم خلال العام عشرات اللقاءات داخليًا وخارجيًا: وفود تجارية زارت دولًا عدة، لقاءات ثنائية استضافت شركات من الخارج، منتديات قطاعية ناقشت فرصًا متنوعة، وحتى فعاليات متخصصة لرواد الأعمال والأسر المنتجة، هذا النشاط لا غبار عليه، لكن المخرجات الفعلية تبقى غامضة. فالتقرير يتحدث عن عدد اللقاءات، لكنه لا يذكر بوضوح كم اتفاقية وُقعت، ولا ما هي المشاريع التي وُلدت من هذه اللقاءات.
وعندما نقارن ما يجري عندنا بما يحدث في غرف أخرى، ندرك حجم الفجوة ففي دبي، مثلًا، حين أرسلت الغرفة الدولية بعثة تجارية إلى فيتنام، أعلنت بوضوح أنها عقدت 180 اجتماعًا ثنائيًا (B2B) في أيام معدودة، وحددت حتى القطاعات المستفيدة. وفي النصف الأول من عام 2025 وحده، استقطبت 35,500 شركة جديدة كأعضاء لديها. أما في سنغافورة، فمنتدى “Singapore Regional Business Forum” جمع أكثر من 600 قائد أعمال ومسؤول حكومي من 55 دولة، وخرج بعدة مبادرات استثمارية واضحة، بينما مبادرة GlobalConnect@SBF صُمّمت خصيصًا لتحويل الحوارات إلى عقود ملموسة.
وعلى مقربة من منطقتنا، غرفة قطر تُعلن سنويًا أنها نظمت أكثر من 300 فعالية داخلية وخارجية، وتبرز مذكرات تفاهم موقعة مع شركاء من تركيا والهند وغيرها، تجعل النتائج ملموسة أمام الرأي العام والتجار أما في تركيا، فإنَّ اتحاد الغرف والبورصات (TOBB) يحرص في كل منتدى مع دول الخليج أو الاتحاد الأوروبي على إصدار بيان ختامي يتضمن أرقامًا دقيقة عن حجم الاستثمارات المتفق عليها، وفي أحد المنتديات الأخيرة تحدثوا عن مشاريع بمئات الملايين.
أما الغرف الألمانية للتجارة والصناعة (DIHK)، فهي مثال آخر للصرامة في قياس النتائج فكل بعثة تُخطط مسبقًا عبر مكاتب تمثيل، وتُقاس حصيلتها بعدد العقود الموقعة وإحدى البعثات إلى الصين أسفرت عن توقيع أكثر من 20 عقد تعاون صناعي خلال أسبوع واحد فقط.
عند مقاربة هذه النماذج مع واقعنا، تبدو الفجوة واضحة ونحن في الغرفة لا نفتقر إلى النشاط، فعدد اللقاءات كبير والجهد مبذول، لكن ما نفتقده هو الوضوح في النتائج: كم اجتماعًا ثنائيًا عُقد فعلًا؟ كم مذكرة تفاهم وُقعت؟ كم مشروعًا وُلد من هذه اللقاءات؟ بل حتى، كيف يستفيد الشباب ورواد الأعمال من هذه المنصات؟
نجاح الغرفة لا يُقاس بوفرة اللقاءات أو الصور المنشورة في الصحف، بل بكمية الشراكات التي ترى النور على أرض الواقع فنحن بحاجة إلى أن نُعلن أرقامنا بجرأة، أن نضع أهدافًا قابلة للقياس، وأن نتابع التنفيذ بخطوات عملية وعندها فقط نستطيع أن نقول إنَّ لقاءات رجال الأعمال في عُمان ليست مجرد كلمات مُجاملة، بل منصات لصناعة المستقبل الاقتصادي للبلد.
هذه يوميات أكتبُها من قلب الغرفة، وقد أردت أن أفتح بها نقاشًا صريحًا: ما رأيكم أنتم؟ كيف يمكن أن تتحول لقاءات الغرفة إلى شراكات حقيقية كما يحدث في دبي وسنغافورة وقطر وتركيا وألمانيا؟ المقال القادم سيتناول موضوع حوكمة أداء الغرفة وكيف يمكن أن تكون أداة لتفعيل الشفافية وقياس النتائج.