الدعم الأمريكي للكيان المحتل.. وجه آخر للخيانة الأخلاقية

 

 

 

خالد بن سالم الغساني

 

تبرز السياسة الأمريكية المتحيزة، بقوة، في الدعم اللامحدود وغير المشروط للكيان المحتل، كتجسيد للتناقض الأخلاقي الصارخ، الذي يتجاوز حدود ومبادئ العدالة الإنسانية، لصالح مصالح سياسية وأيديولوجية ضيقة، ليقف على قمة هرم الانحياز لصالح كل أشكال القتل والدمار والتنكيل.

من المنظور الإنساني، فإنَّ هذا الدعم لا يمكن أن ينظر إليه سوى كخيانة للقيم الأخلاقية التي تدّعي الولايات المتحدة الأمريكية، التمسك بها، حيث تُكرس واشنطن نفسها كشريك أساسي في دعم كيان لا أخلاقي، محتل لأراضي الغير، منتهك لحقوق الشعب الفلسطيني، مالك وصاحب تلك الأرض الأصيل، شعب الأرض المحتلة منذ نكبة 1948م.

هذا الدعم، الذي يُروَّج له على أنه التزام أخلاقي، يعتبر بالدرجة الأولى ستارًا لتغطية مصالح استراتيجية تحت وقع ضغط وتأثير اللوبيات الصهيونية داخل أمريكا؛ فالادعاء بأنَّ الكيان المحتل يمثل "الديمقراطية الوحيدة" في الشرق الأوسط، وهو الذي لا يعرف من الديمقراطية سوى اسمها، هو دعاية تسوقها وسائل الإعلام الصهيونية، لكنها تُغفل الواقع المرير لاحتلال يمارس التمييز العنصري والتطهير العرقي ضد الفلسطينيين، كما وثّقت منظمات حقوقية دولية مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، اللتين وصفتا سياسات الكيان بـ"الأبارتهايد" أو الفصل العنصري.

الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون، في مقابلته عام 1992م، مع تيد كوبل في برنامج "نايتلين"، كشف عن هذا التحيز العميق حين أشار إلى أن دعم الكيان هو "التزام أخلاقي"، لكنه تجاهل أن هذا الالتزام يُبنى على حساب شعب آخر يعاني من الاحتلال والتشريد. تصريحات مماثلة من رؤساء مثل جيمي كارتر، الذي ربط دعم الكيان بـ"الأخلاق الأساسية"، تُظهر انفصالًا واضحًا عن الواقع، حيث تُستخدم هذه الرواية لتبرير تمويل عسكري هائل، يصل إلى 3.3 مليار دولار سنويًا، يُستخدم في قمع الفلسطينيين.

كما إن التاريخ الأمريكي نفسه يكشف عن جذور هذا التحيز؛ حيث يُروَّج لرواية الهولوكوست لتبرير دعم الكيان المحتل، بينما يتجاهل دور الولايات المتحدة وحلفائها في دعم إقامة هذا الكيان على حساب الشعب الفلسطيني.

هذا الدعم الذي يُقدَّم كتعويض عن مأساة الهولوكوست، يُستغل لتجاهل قرارات الأمم المتحدة التي تدعو الكيان للانسحاب من الأراضي المحتلة، ويُغض الطرف عن انتهاكات دولية موثقة لقتل أطفال ونساء ومدنيين فلسطينيين، وتدمير بنية تحتية في غزة والضفة الغربية.

على الرغم من هذه الانتهاكات التي تشمل جرائم حرب وفقًا للمنظمات الدولية، إلّا ان الدعم الأمريكي مستمر دون شروط، وهنالك إصرار دائم على استمراره، متجاهلًا قوانين وتشريعات أمريكية تمنع مساعدة الوحدات العسكرية المرتكبة لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.

هذا الدعم وصل ذروته بعد عملية طوفان الأقصى في أكتوبر 2023؛ حيث دافع الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن عن تسليح الكيان رغم الدمار الهائل في غزة، الذي أودى بحياة عشرات الآلاف من المدنيين، معتبرًا أن أمن الكيان جزء من الأمن الأمريكي. هذا الموقف يعكس ازدواجية المعايير التي تمارسها الولايات المتحدة باستمرار، حيث تُدين انتهاكات حقوق الإنسان في مناطق أخرى بينما تتغاضى عن جرائم الكيان المحتل.

ومع ذلك فإنَّ الرأي العام الأمريكي بدأ يتحول؛ حيث أظهرت استطلاعات انخفاض الدعم للعمليات العسكرية للكيان إلى 32% فقط، مع أغلبية (59%) ترى الرد الإسرائيلي مُفرِطًا، و59% يدعمون الاعتراف بدولة فلسطينية. هذا التحول المدفوع بشباب الديمقراطيين الذين يركزون على العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، يكشف عن تناقض السياسة الأمريكية التي تستمر في دعم كيان يُدان دوليًا بسبب احتلاله وسياساته القمعية.

اللوبيات الصهيونية والكنائس الإنجيلية في أمريكا تلعب دورًا كبيرًا في تعزيز هذا الدعم، حيث تُروِّج لرواية دينية وسياسية تجعل الكيان جزءًا من الهوية الأمريكية، لكن هذه الرواية تُغفل معاناة الفلسطينيين وتُسهم في تعزيز الإفلات من العقاب.

أن الدعم الأمريكي هو الذي يُغذي استمرار الاحتلال وانتهاكاته اللاإنسانية والمدانة من قبل العالم ومنظماته الرسمية والشعبية، الأمر الذي يطرح التساؤلات حول كيفية توافق "الالتزام الأخلاقي" الأمريكي، مع دعم كيان عنصري محتل ينتهك القوانين الدولية.

على وجه العموم، ووفقًا لقناعاتي وقناعات الكثير من الشرفاء والأحرار في العالم، فإنَّ الدعم الأمريكي للكيان المحتل يظل وصمة عار كبيرة على جبين الولايات المتحدة، التي تدّعي الدفاع عن الحرية والعدالة بينما تُكرس ظلمًا تاريخيًا بحق الشعب الفلسطيني.

إنَّ هذا الدعم لا يمكنه أن يعكس التزامًا أخلاقيًا؛ بل إمعانًا في التواطؤ تجاه الجرائم التي ترتكب ضد شعب يناضل من أجل حقه في الحرية واستعادة أرضه المحتلة.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة