مهما فعلت!

 

 

عائض الأحمد

في مواقف كثيرة أشعر أنني أملك من القدرة ما يكفيني، بل وأتباهى بما أمتلك من كلمات تصف ما أشاء وقتما أشاء. غير أنّي- وبكل صدق- لم أعرف الضعف في حياتي قط إلا أمام مشهدين أقف عاجزًا عن تجاوزهما مهما فعلت: أمي، ووطني.

من أين أبدأ وإلى أين أنتهي؟ أظلم نفسي وأسحق عباراتي وأشعر بأنها بلا معنى؛ فهي تصغر وتتناقص حتى تتوارى خجلاً. أقف أمام صورة أمي فتتشظى الكلمات؛ حبها يجعل الحروف تتلعثم، وحنانها يحفر في داخلي فراغًا لا يملأه بيان ولا شعر. كيف أصف من منحتني العنوان الأول للحياة؟ كيف أجعل من صوتها بيتًا أقيم فيه قصائدي؟ كل محاولاتي تتهاوى أمام بساطتها، فتبدو لغة العالم كلها زينة فارغة أمام صمتها الذي يُعلمني معنى البقاء.

أما وطني، فحديثه عناد الزمن والمكان. أمامه تصبح الكلمات مسؤولية لا ترفًا؛ تخشى أن تزيح شيئًا من ركام التاريخ أو تجرح صورة الأبطال. الوطن ليس موضوعًا للمدح العابر ولا للنقد المجرد؛ إنِّه أرض ممتدة لا نهاية لها، تحتاج إلى أفعال قبل أن تحتاج إلى كلمات. وحين أعود بالكلمة لأؤدي حقه أجدها ناقصة، كأنها لم تُحفظ بعد من درس الولاء.

ربما يكون الحل أن أسمح لضعفي أن يتجلّى في النص: أعترف بالعجز لا كخسارة، بل كاحترام لقدسية لا تُقاس بمفردات. أن أكتب عن أمي وعن وطني بصمت مُمتد، بآهات عاشق، بصيحة هادئة، بلا تهويل ولا زخرفة. أن أدع العجز يتبدّى كنغمة صادقة في لحن أرتّله؛ حينها لا تُنقص عباراتي، بل تُنضجها وتمنحها صدقًا أعمق.

سأبدأ من هناك: بقلب يقرّ بأن بعض المشاهد أكبر من البيان، وبقلم يكفّ عن محاولة وصف المقدس ويكتفي بأن يكون شاهدًا. سأترك المكان يحدد لونه لي، وأصغي أكثر مما أتكلم. وربما، في آخر السطر، أكتشف أن الأم والوطن ليسا عتبتين لأتجاوزهما، بل مدرسة لأتعلم فيها كيف أكون لهما رجلاً بكلمات تليق بهما.

أطرق على يدي عهدًا وقسمًا وإيمانًا: أن المحال يقسمه عقلي إلى قسمين: روح وأرض. ولا أرض تشبه هذه الأرض التي تعانق روحي وتجهد عقلي. فاعذرني يا وطن الدفء، فما زلت صغيرًا على هذا العزّ، وما زال في داخلي الكثير لأتعلمه.

وطني اليوم وغدًا، وكل الأيام، قلبي ممتلئًا بالولاء والانتماء، وأدعو أن يظل مجده شامخًا كما علمنا التاريخ وألهمنا الأبطال.

لها: مرادك تسعى إليه؛ فماذا إن تلبسك حبٌّ وغرس جذوره في أعماقك وكأنه منك وفيك.

شيء من ذاته: اطلب ما شئتَ، لكنّ مشاعري عصيّة أن أبوح بمكنونها كما أريد.

نقد: ما الفرق بين من تحتويه أو يحتويك؟ إنه سلطان العشق.

الأكثر قراءة