طفولة الشُهرة والتكسّب.. إلى أين!

 

 

سعيدة بنت أحمد البرعمية

 

من الطبيعي أن نحافظ على التراث، ولكن من غير المقبول أن نجعل منه معولاً يُهشم القيم وسمات الطفولة والحياء في نفوس بناتنا؛ فالمحافظة على التراث بنوعيه المادي والمعنوي، من أهم الأمور التي نحرص عليها كمجتمع أصيل؛ لذا تتوارثه الأجيال جيلاً بعد جيل، عن طريق إشراك النشء ممارسة الرقصات الشعبية في المناسبات الخاصة ضمن إطار تقليدي تميزه القيّم والخصوصية كالأعراس والتجمعات العائلية والأعياد والمناسبات الوطنية، وهذه سمة تميزنا كمجتمع محافظ.

هكذا كُنَّا وما زلنا نحافظ على الموروث وننقله للأجيال بعيدا عن عدسات الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وتتكفل الفرق الوطنية وحدها في إيصال هذا الموروث لمن لا يعرفه سواءً داخليًا أو إقليميًا أو عالميًا في المعارض والمهرجانات، اختلف الأمر عند البعض وأصبحت البنات الصغيرات يتنافسن للوصول من خلال مُمارسة الرقصات الشعبية، خاصة فن الطبل لما يُسمى (الترند) دون إدراك الأهل انتهاكهم لحقوق الطفولة بهذا التصرف الدخيل، الذي هو بنفسه يُناقض طرق نقل الموروث المعتادة والمتعارف عليها في مجتمعنا؛ فلم نعتد من أمهاتنا وجداتنا ممارسة هذا الموروث إلاّ في نطاق شديد الخصوصية والتحفّظ.

كُنا خلال السنوات الأخيرة القليلة الماضية نرى مثل هذه المقاطع، حيث كانت المناسبات الوطنية بوابة العبور الأولى لها، من خلال الاحتفالات الوطنية في المدارس؛ خاصة مدارس الحلقة الأولى، تطوّر الأمر وواكبت مقاطع على شاكلتها كافة المواسم، وأصبحت مصاحبة للسياحة خاصة في الخريف والصرب عن طريق اتخاذ البنات الصغيرات وهنَّ يؤدين هذه الرقصات محتوى من قبل فئة لا تمثل الجميع لكنها تسيء للطفولة ولطرق نقل الموروث دون وعي منهم، كذلك من غير المقبول أن نسمح لبناتنا بأداء مثل هذه الفنون في المسارح أمام السياح بدلا من الفرق الوطنية، وعلينا أن نعي أنهن يُستغلن كعامل جذب سياحي. 

يجب أن نتذكّر قالب الحياء الذي حرصن عليه الأمهات والجدات عندما كُنا نمارس معهن هذه الفنون حتى نحافظ على قيمنا وهويتنا الدينية والثقافية، وكي يكون النقل صحيحا دون انجراف في أهواء وثقافات غيرنا من الشعوب؛ فهذه البنت وإنْ كانت الآن طفلة؛ حتما ستكبر وتكره مقاطعها في اليوتيوب والإكسبلور، لنتذكر كأهل مسؤوليتنا تجاه غرس الحياء في نفوس بناتنا، وكمجتمع محافظ لنتذكر أنّ فن الطبل في النهاية رقص؛ فارحموا بناتكم، علموهن كيف يكنّ ناجحات لا راقصات.

من المسؤول عن ضبط هذا الوضع؟

بالتأكيد دور الأهل مهم جدا، فمن العيب علينا كآباء وأمهات أن نتخذ من أطفالنا محتوى منتهكين بذلك حقوق طفولتهم، يليه دور المدرسة، نُحب جميعا المناسبات الوطنية، ويسعدنا الاحتفال بها، ولكن الأجمل أن تكون هناك منهجية متبعة في المدارس للاحتفال بالمناسبات الوطنية من منطلق لكل مقام مقال؛ فالموقف تربوي وتعليمي ويجب أن يكون كذلك؛ فالمدارس للصحائف والأقلام لا للطبول والمزامير، والاحتفالات في المدارس يجب ألا تخرج عن معنى حبّ الوطن؛ فتكون الاحتفالات بهذه المناسبة مقرونة بالإنجازات لا بالرقصات، فعندما يكون الاحتفال بالمناسبات الوطنية في المدارس من منطلق ماذا أعددت لهذا اليوم الوطني؟

حتمًا سنجد الأفكار عند الطلبة جديدة ومبتكرة وكل منهم سيبهجنا بفكرته التي سيقدمها ذلك اليوم ويضيف شيئا جديدا لنفسه ولزملائه في معرض وطني للأفكار لا مسرح للرقصات ينقسم فيه الطلبة ما بين مؤدي ومصفق، فالمدارس منابر علم لا تقل أهمية عن المساجد، وبما أن المساجد مقدسة للعبادة؛ فالمدارس مقدسة للعلم ومكملة دور المساجد؛ فمن غير الطبيعي أن نرقص في المدارس لأيّ مناسبة، وإنما نحتفل ونرفه على طلابنا بما يحفظ القيم وينمي الفكر ويفتح للبناء آفاقاً تسمو بذوق أبنائنا دون غسل الحياء من جباه وخدود بناتنا.

إنَّ استغلال الأطفال وعرضهم كمحتوى؛ سواء للشهرة أو للتكسّب، يعد انتهاكًا صريحًا لحقوق الطفل، مثله كأيّ سلوك مسيء لحقوق الطفولة، كالعنف النفسي والجسدي ضد الأطفال، أو الإهمال أو العمل القصري أو الزواج القصري أو تجنيد الأطفال أو التحرش بهم، فلنصن جميعًا هذه الأرواح ونكن لهم معينين لا مدمرين، لذا فإنَّ المسؤولية في هذا الأمر  تقع على عاتق الأهل في المقام الأول، فلن يأخذ أحد طفلك للمشاركة في أيّ مناسبة أو مهرجان دون أخذ إذنك كولي أمر، ولن ترضى عنك بنتك عندما تكبر وتصبح فاعلة في مجتمعها وصاحبة فكر ولها مقاطع رقص في اليوتيوب.

الأكثر قراءة