تفاصيل صغيرة

 

 

وداد الإسطنبولي

ما أجمل الحياة حين ننظر إليها من زوايا واسعة، فنكتشف ما يُسعدنا فيها، حتى لو كان بسيطًا وصغيرًا. نلتقط تلك اللحظات، نوثقها، ونحتفظ بها في ذاكرتنا لنحلق معها كلما استرجعها شريط العمر. وكما قال القائل: "ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل".

اليوم حدث لي موقف غريب أضاء يومي كله، رغم أن لا شأن مباشر لي به. موقف لا يعنيني شخصيًا، لكنه أبهجني بعمق، لأنني شعرت بفرح شخص آخر.

كانت صديقة عزيزة على قلبي من مسقط، روان الذهلي. شاءت الصدفة أن تتواصل معي لأمر في نفسها- بداية معرفتي بها- تسألني فيه رأيًا. وأثناء حديثنا قالت لي فجأة: "أنا أخاف منك."

أدهشني قولها، وأثار في نفسي التساؤل: هل بدر مني شيء يجرحها؟ فأجابت مُبتسمة: "لا، لكنه مجرد شعور ينتابني تجاهك."

العجيب أننا لم نلتقِ من قبل، وكل ما جمعنا كان دردشة في جروب ثقافي. لكن إرادة الله تقرّب الأرواح، وتذيب سوء الظن، وتفتح نوافذ جديدة. منذ تلك المكالمة أصبحت علاقتنا أعمق، وصارت روان مُلهمتي وناقدة بعض كتاباتي. تمتلك حسًا مُرهفًا وفكرًا نقديًا أنيقًا، وقد شاركتني مراجعة كتابنا الجماعي "انزواء سطر". نتبادل الأحاديث، وننطلق معًا في فضاءات الكتابة، فأجد معها لذة الفكر، خليطًا بين الدراسة والممارسة.

مضت الأيام، وتواصلت معي مجددًا. أسعدني اتصالها وهذا ما أشرت إليه بداية الحديث، لكنه حمل في طياته شيئًا من الحزن: تعيينها كان في محافظة ظفار، نعم، لكن في مدينة رخيوت البعيدة. فرّقتنا المسافة، لكن قلبي ظل قريبًا منها.

أما اللحظة الأجمل، فكانت حين طلبت مني شتلات لتضعها في غرفتها. استغربت، فسألتها: "لماذا وأنتِ لستِ مُعلمة علوم؟"

فضحكت قائلة: "أريدها صديقة، أكلمها وتكلمني، أسقيها وتؤنس وحدتي."

فكان ردي بصدق: الله… الله… الله.

وبالفعل، تواصلت مع أحد المعارف، وطلبت منه أن يشتري لها شتلات ويرسلها إليها. فما أجمل أن تجد حولك "النشامى" الذين لا يخيبون رجاءك. تفاصيل صغيرة… لكنها كفيلة برسم ابتسامة على الشفاه، وبث الطمأنينة في القلب، ومنحنا شعورًا بالحب.

ستصلك الشتلات يا الذهلية، ومعها دعائي لك من أعماق القلب أن يحفظك الله.

وابحثوا أنتم أيضًا عن تفاصيلكم الصغيرة… ففيها يكمن سر البهجة.

الأكثر قراءة