حاتم الطائي
◄ العالم لن ينعم بالسلام إلّا بتخلّي أمريكا عن "غطرسة القوة"
الأمر التنفيذي الذي وقَّعه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتغيير اسم وزارة الدفاع إلى "وزارة الحرب"، لا يُمكن قراءته سوى أنَّه حلقة جديدة من مسلسل الوحشية الأمريكية في عهدها الحالي؛ فترامب الذي صدّع رؤوس العالم بأنَّه سيُحقق السلام في أوكرانيا وغزة في أول أيامه بالبيت الأبيض، فشل فشلًا ذريعًا حتى في بدء مفاوضات سلام حقيقية تسهم في وضع أوزار الحرب في أوروبا، كما واصل التواطؤ والانخراط في حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، والمساعي الدؤوبة لدولة الاحتلال لمحو الدولة الفلسطينية.
تغيير اسم الوزارة إلى وزارة الحرب، يعني أن ساكن البيت الأبيض لا يُريد سوى الحروب، لا يُريد سوى الدماء، لا يُريد سوى مزيد من المكاسب والأرباح لمجمع صناعة السلاح الأمريكي، تلك الشركات التي تُصنِّع شتى أنواع الأسلحة وتنشر الشرور في كل أرجاء العالم. اليوم أمريكا لا يمكن أن تدعي أنَّها حامية السلام العالمي؛ بل أصبحت أكبر تهديد يواجه البشرية، إنها دولة تملك أكبر ترسانة من الأسلحة بما في ذلك الأسلحة النووية والدمار الشامل، وتُصدِّر السلاح لحلفائها ولمناطق الصراع، من أجل تأجيجه، كي لا تتوقف عجلة الإنتاج في مصانع الأسلحة الأمريكية.
نقولها دائمًا إنَّ أمريكا كيان يقتات على الحروب وإدارة الصراعات لا إنهائها، وهذه هي استراتيجيتها لأنها قامت في الأساس على أنقاض حروب، وعمليات إبادة ضد السكان الأصليين هناك، لذلك لا يجب أن يستغرب أحدٌ من التواطؤ الأمريكي في حرب الإبادة بغزة، لأنَّ الأمريكيين فعلوها سابقًا قبل أن تستقر أركان حكم دولتهم!
القرار الرئاسي الأمريكي جاء بعد يومين تقريبًا من أضخم عرض عسكري صيني حضره الزعيم الصيني والزعيم الكوري الشمالي والزعيم الروسي، أي أنَّ 3 قوى عسكرية ونووية هائلة تنتمي إلى المعسكر الشرقي- إن صح التعبير- اجتمعت في وقت واحد وعقد زعماؤها مباحثات مباشرة، وألقى خلالها الرئيس الصيني خطابًا غير مسبوق حذر فيه من مغبة النظام الأحادي في العالم، وأنه يتعين على الجميع أن يعيشوا في سلام شامل، وإلّا فإنَّ الحرب ستكون على الجميع. وهذا ليس بوعيد أو تهديد صيني؛ بل إنه دق لناقوس الخطر الناجم عن غطرسة القوة الأمريكية، التي تدفع واشنطن نحو إشعال حروب وصراعات في مناطق مختلفة من العالم، وممارسة الظلم بشتى أنواعه، خصوصًا فيما يتعلق بالقضايا ذات الطابع الإنساني، وليس أدل على ذلك من الفيتو الأمريكي المتعدد في مجلس الأمن ضد أي مشروع قرار يُطالب بإنهاء الحرب في غزة وإدخال المساعدات الإغاثية العاجلة لسكان القطاع الذين يعانون من حرب إبادة وحرب تجويع في آن واحد.
ومن المفارقات الساخرة أن ترامب رغم هذا القرار ورغم فشله في إنهاء الحروب، ينام ويستيقظ على حُلم الحصول على جائزة نوبل للسلام؛ بل إنِّه يكاد يُصدِّق نفسه أنه "رسول سلام" للبشرية! ربما أن السلام لديه يعني الحرب؛ حيث يُبرر ذلك بمصطلح "السلام بالقوة"، مُدعيًا أن البطش والقوة هما اللذان سيجلبان السلام للعالم! تمامًا كما ظن الأمريكيون أنهم بإلقاء القنبلة النووية على هيروشيما وناجازاكي أنهوا الحرب العالمية الثانية، لكنهم في المقابل تجاهلوا الحقيقة المُرّة والتاريخ الأسود الذي كتبوه بدماء عشرات الآلاف من الأبرياء الذين لقوا حتفهم على الفور، وعشرات الآلاف الذين ظلوا لسنوات يُعانون من حروق وأمراض غير مسبوقة، فضلًا عن حجم التلوث البيئي الذي تسببوا فيه.
من المؤسف والمُخجل إنسانيًا أن نجد من يزعم أنه رجل سلام، هو نفسه محامي الشيطان، والداعم الأول لأحقر مجرم حرب بنيامين نتنياهو في حرب الإبادة التي يشنها على الفلسطينيين في أنحاء فلسطين المحتلة وليس غزة وحسب. ومن المُضحك أن يكون هذا الرئيس الذي لم يشهد العالم بقدومه أي استقرار أو تقدم، هو الذي يزعم أنه سيُعيد المجد لأمريكا!!
ويبقى القول.. إنَّ العالم لن ينعم بالسلام ولن يشهد أي استقرار إلّا إذا تخلّت الولايات المتحدة عن منطق غطرسة القوة، وتوقفت تمامًا عن دعم وتمويل وتشجيع أي حروب أو صراعات لا هدف لها سوى إنعاش تجارة السلاح ومن ثم الاقتصاد الأمريكي بدماء الأبرياء، وعلى العالم الحُر الساعي للسلام أن يتّحد ويقف صفًا مرصوصًا في مواجهة الصلف الأمريكي لتحطيم وَهْم "السلام بالقوة"؛ لأنَّ السلام لن يتحقق إلّا بإحقاق الحق ومحاسبة الظالم.