النور الوضَّاء

 

 

نعيمة السعدية

وُلد الهدى فالكائناتُ ضياءُ // وفمُ الزمانِ تبسمٌ وثناءُ

وُلد الذي يحمل نبراس الهداية للعالمين.. وُلد المرشد الهادي القائد الذي أرشد وهدى وقاد الأمة بخُلقه وصبره ومروءته إلى سبيل الهُدى والطريق القويم.

وُلد الرحيم بأمته، وُلد خير خلق الله حامل لواء الخير وحامي راية الإسلام؛ لينشر نورًا وهدايةً وضياءً منيرًا.

قال الله تعالى: ﴿وما أرسلناك إلا مبشرًا ونذيرًا﴾ (الفرقان: 56).

فما أعظم هذه البشارة، وما أجل هذا النور الذي أضاء قلوب العباد قبل أن يضيء طريقهم!

جاء إلينا لينقذنا من الظلماء إلى النورانية الحقة.

جاء إلينا ليحمينا من ظلمات الجاهلية، ويمنحنا وسام الخيرات الندية التي ترسم لنا طريق الصراط المستقيم حتى نصل إلى بر النجاة.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق". فكانت بعثته تجديدًا للفضائل، وتثبيتًا للرحمة، ونشرًا للعدل بين الناس.

كان وما زال سيدنا وحبيبنا وهادينا إلى يوم البعث الذي لا مفر منه. هو المبعوث الكريم الصادق الأمين الشريف الشجاع المتواضع الرفيع والمحسِن.

أشرقت الدنيا بمقدمه؛ فهو خير مَن أرسله الله إلى البشرية رأفة ورحمةً، وفي ذلك قال تعالى: ﴿وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين﴾ (الأنبياء: 107).

به ازدانت حياتنا بأجمل الحلل وأبهاها، وبه تجملت أيامنا بأندى الصور وأزهاها.

كان إنسانًا مثالًا للإنسانية النبيلة، وشخصية عزيزة النفس لا يمكن أن يكررها الزمان.

كان فيض عطاءٍ لا يمكن أن يصفه البشر، وما زال صاحب السيرة الشريفة التي يلوذ بها الأنام في كل مكان ومقام. وقد وصفه الله تعالى في أعظم الصور وأروعها حيث قال: ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾ (القلم: 4).

فهذا وصف له قيمة معنوية عظيمة يعجز كل تصور عن وصفها؛ فهو من عند رب الوجود لمَن خلقه من عباده، وشهادة عظيمة من عند الله بعظمة خُلق نبي الأمة.

وقال أمير الشعراء أحمد شوقي مادحًا:

محمدٌ صفوةُ الباري ورحمتهُ // وبغيةُ اللهِ من خلقٍ ومن نَسَمِ

فما أعظم هذه الشخصية الفذة التي يتغنى بها أكبر عظماء المسلمين؛ بل وغير المسلمين كذلك أولئك الذين تيقنوا من عِظم هذه الشخصية الكريمة!

ومن ذلك قول ويل ديورانت صاحب موسوعة الحضارة:" إذا أردنا أن نحكم على العظمة بما كان للعظيم من تأثير في الناس لقلنا: إن محمدًا كان من أعظم عظماء التاريخ".

ولم يكن أثره مقتصرًا على الجانب التعبدي وحده، بل امتد إلى بناء القيم الإنسانية الكبرى التي ما زالت البشرية تتغنى بها حتى اليوم. فقد كان العدل ركيزة أساسية في دعوته، والمساواة مبدأ لا حياد عنه. ومن أبرز المواقف الدالة على ذلك قوله الشريف: " لو أن فاطمة بنت محمدٍ سرقت لقطعتُ يدها"، وهو موقف يُجسد ذروة العدل، حيث لم يُفرق النبي صلى الله عليه وسلم بين قريب وبعيد، ولا بين شريف وضعيف، فالجميع أمام شريعة الله سواء. بهذا الفهم الراسخ رسخ النبي صلى الله عليه وسلم أسس العدالة، وحمى المجتمع من الظلم والتمييز.

ولعل من أعظم ما يميز رسالته هو شمولها بالرحمة لكل البشر، بل ولجميع المخلوقات. فقد كان صلى الله عليه وسلم رحيمًا بغير المسلمين، يُعاملهم بالبر والعدل. ومن أروع المواقف التي تُشير إلى ذلك ما روي عن موقفه الكريم أثناء مرور جنازة يهودي بين يديه؛ فهو بهذا الموقف البسيط علم البشرية أن الإنسان مكرم بكونه إنسانًا كرمه الله. إنها رسالة إنسانية عالمية، سبقت كل المواثيق التي تتغنى اليوم بحقوق الإنسان.

فلله درها من شخصية عظيمة حري بنا الاقتداء بها والمضي قدمًا على نهجها الشريف الخالد الذي خلده الله بماء الذهب.

وما أجلها من سيرة مباركة ختمت بها سير الأنبياء والرسل!

وما أروعها من شمائل نبوية ميمونة علينا أن نسعى إلى الاتصاف بها دائمًا!

فهنيئًا لمَن اتبع هداه، وانتهج سبيل الحق والرشاد، وسار على خطاه حتى يلقى الله، وهو راضٍ عنه.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة