سعيد بن بخيت غفرم
في محافظة ظفار، يبرز تقليد اجتماعي عريق يُعرف باسم "المغبور"، وهو لفظ مشتق من اللغة الشحرية يعني العطاء والمساعدة. يقوم هذا التقليد على تقديم دعم مادي أو عيني للعريس لتخفيف تكاليف الزواج، وتُسجَّل هذه المساهمات في دفتر خاص لضمان ردها مستقبلًا والاحتفاظ بحق كل مشارك. بذلك، يشكّل المغبور صورة صادقة للتعاون والإيثار وروح المودة بين الناس، وجزءًا أصيلًا من الهوية الثقافية للمجتمع في محافظة ظفار.
المغبور يتجاوز كونه مجرد عادة؛ فهو نسيج اجتماعي متجذر يعكس تعاون الأقارب والأصدقاء والجيران لدعم العريس. ولا يقتصر الأمر على كبار السن، بل يمتد ليشمل الشباب الذين يسهمون بما يستطيعون، حتى وإن كان رمزيًا، في إشارة إلى أن الأفراح شأن جماعي يتقاسمه الجميع. هذه المشاركة تمنح الأجيال الجديدة درسًا في التضامن، وتؤكد أن الكرم والوفاء من أبرز القيم التي ميّزت الإنسان في ظفار عبر العصور.
ولا يقتصر دور المغبور على الجانب المادي فقط، بل يحمل أبعادًا إنسانية عميقة؛ فهو يخفف الضغوط عن العرسان وعائلاتهم، ويمنحهم مساحة للاحتفال بفرحهم دون قلق من التكاليف والديون. كما إنه يعزز الروابط الاجتماعية، إذ يجتمع الناس في مناسبات الزواج لتبادل التهاني وتوثيق الصلات، فيتحول الفرح الفردي إلى مناسبة عامة تملؤها الألفة والمحبة.
إن المغبور بما يحمله من معانٍ إنسانية واجتماعية، يعد مدرسة في الكرم والتكاتف، ورسالة متجددة للحفاظ على العادات الطيبة التي تمنح المجتمع فرادته وتميزه؛ فهو ليس مجرد عادة عابرة؛ بل رمز للتلاحم وجسر يربط الماضي بالحاضر، ودليل حي على أن قوة المجتمعات تُقاس بقدرتها على التعاون وحماية موروثها الأصيل.
وفي الختام، يبقى "المغبور" شاهدًا على أصالة الإنسان في ظفار وعمق قيمه الإنسانية، ودعوة متجددة لمواصلة التمسك بتقاليد الكرم والتكافل؛ كي تظل الأفراح مناسبات جامعة تُثري الحاضر وتورّث للأجيال القادمة معاني العطاء والمحبة.