حاتم الطائي
◄ الأوامر السامية بافتتاح مزرعة رزات للزوّار تترجم الحرص على دعم السياحة
◄ مبادرات التنمية السياحية متعددة.. ونحتاج إلى سرعة الإنجاز
◄ القطاع السياحي مؤهلٌ للغاية لكي يقود مسار نمو اقتصادي مُستدام
بينما كانت حبات الأمطار تتساقط في سيمفونية رائعة مُشكِّلةً لوحةً من الجمال الربانيّ، وتكسو الجبال رقعة خضراء تُبهج القلب، وتُداعب نسمات الخريف زُوَّاره وعاشقيه، سنحتْ لي- قبل أيام- فرصة عظيمة لزيارة مزرعة رزات السُّلطانية، صحُبة زملائي من فريق العمل في جريدة الرُّؤية... كانت جميع التفاصيل من حولنا توحي بالجمال، وتبعث على الفرح، فقد سُرَّتْ أعيننا بما رأيناه من جنَّة على الأرض التي لا تجود بمثلها في مواقع أخرى، واستمتعنا بمذاقٍ فريدٍ من الفواكه وخاصة الاستوائية منها، وكأنَّ كل ثمرة تقطُر شهدًا، وتفوح عبيرًا لا يُنسى.
وقد كانت صلالة محطتنا الرئيسية، تزامنًا مع انعقاد القمة العالمية للابتكار الاجتماعي، والتي تكلَّلت بنجاح كبير، وتشرُّف المشاركين في القمة بالرعاية الكريمة من صاحب السُّمو السيد مروان بن تركي آل سعيد، الذي يقود مُحافظة ظفار لتكون الوجهة السياحية الأبرز في الخليج والشرق الأوسط، سواء في موسم الخريف أو غيره من المواسم السياحية، في ظل ما تُوليه القيادة الحكيمة من اهتمام مُتزايد للقطاع السياحي، والذي تلقى دفعة إيجابية هائلة بعد صدور الأوامر السامية من لدن حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- بافتتاح المسار السياحي في مزرعة رزات السلطانية بصلالة، بهدف إتاحة الفرصة أمام الزوّار للاطلاع على ما تزخر به من خيرات وفيرة تعكس مكانة هذا الصرح الزراعي الذي يُدار وفق أُسس علمية ومعايير فنية مُحكمة تتفوق على نظيراتها حول العالم.
الحقيقة أنني عندما وطأت قدماي بوابة المزرعة، غمرني شعور جميل جدًا، اختلطت فيه مشاعر الفرح والسرور، بذكريات السنوات الماضية، عندما كُنتُ أمُرُ بجانب المزرعة ومن أمامها، وكنتُ أعلمُ في داخلي أنَّ هذه ليست مجرد مزرعة للفواكه والخضراوات؛ بل جنة على الأرض، تطرح أطيب الثمار وأنقاها. اليوم، أصبحت هذه المزرعة وخيراتها مُتاحة لجميع الزوّار، يتنقلون بداخلها وسط أشجار النارجيل الباسقة، وبين الحقول التي تبدو وكأنَّها بساط أخضر، أبدعته قدرة الخالق- عزَّ وجلَّ- بأيدٍ عُمانية مُحترفة، مُتخصصة في الإنتاج الزراعي والهندسة الوراثية.
الأوامر السامية بافتتاح المسار السياحي في المزرعة، ومن قبل افتتاح معرض السيارات الكلاسيكية، وكذلك قرار إتاحة فِلَل الشاطئ بصلالة للاستثمار السياحي والتي كانت من قبل مُخصصة فقط لكبار الزوّار، كلها تعكس التوجهات السامية الحريصة على دعم نمو القطاع السياحي، والاستفادة من الأصول الحكومية لتكون مصدراً للدخل وتوفير الوظائف للشباب من المواطنين، ومثل هذه الخطط والرؤى الطموحة، نحتاج إلى المزيد منها لمواصلة النهوض بالقطاع السياحي. ومحافظة ظفار تتمتع بزخم سياحي كبير على مدار العام، ويُسهم ذلك في فتح أبواب الرزق للكثير من الشباب، وخاصة من أصحاب المشاريع الصغيرة جدًا والصغيرة والمتوسطة، وكُلها توفِّر الوظائف لغيرهم، في أنشطة مرتبطة بالمطاعم والمقاهي والمشروبات وخدمات النقل والترفيه وغيرها، ولا بُد من أن تتكاتف الجهود لضمان استدامتها، وليس فقط خلال موسم الخريف.
والقطاع السياحي في وطننا العزيز، يُمكنه أن يكون قاطرة للنمو الاقتصادي، جنبًا إلى جنب مع القطاعات اللوجستية والثروة السمكية والزراعية والتعدين وغيرها، وهي كلها قطاعات مُستهدفة في رؤية "عُمان 2040". وتنمية القطاع السياحي تتطلب من جميع الجهات البناء على هذا الدعم السامي، ويجب على هذه الجهات أن تُبادر وتطرح أفكارًا غير تقليدية تدعم النمو، وهذا يستدعي جملة من الحلول والاقتراحات، منها:
أولًا: سرعة إنجاز إجراءات أي مشروع سياحي طموح قائم على دراسة جدوى معتبرة، وذلك عبر محطة واحدة، يستطيع المُستثمر من خلالها إنجاز أوراق مشروعه في أقل من ساعة زمن، وليس أن يجوب الأرض شرقًا وغربًا لكي يحصل على موافقة من هذه الجهة، أو إباحة من جهة أخرى، أو ترخيصًا بيئيًا من جهة ثالثة؛ حيث إنَّ مثل هذه الإجراءات البيروقراطية تتسبب في نفور البعض، ومن ثم فقدان بعض الاستثمارات.
ثانيًا: مواصلة جهود تغيير الثقافة المجتمعية لدى بعض الفئات من الشباب، فيما يتعلق بالعمل في القطاع السياحي، وإدراك أنه قطاع ذو طبيعة خاصة، فهناك من الشباب من يرفض العمل في القطاع السياحي لأنَّ الإجازات الأسبوعية ليست يومي الخميس والجمعة وإنما حسب جدول المناوبات، أو أن الموظف في هذا القطاع، قد يجد محل عمله في ولاية بعيدة نسبيًا عن الولاية التي تربّى ونشأ فيها. فضلًا عن ظروف عمل أخرى تتطلب التحلي بالمرونة والتعامل مع مختلف الجنسيات.
ثالثًا: طرح مبادرات نوعية لدعم المُنتج السياحي، فلا يجب أن نظل نتحدث عن جمال شواطئنا في مسقط وغيرها من مدن الساحل، والطقس الفريد في الجبل الأخضر، أو المياه الفيروزية وجمال الطبيعة في أحضان جبال مسندم، بينما ما نزال نواجه تحديات في ضعف التنوع السياحي، فكم عدد مناطق الألعاب المائية على مستوى عالمي؟ وكم عدد الفنادق والنُزل السياحية في الجبل الأخضر؟ وكيف يُمكن تسهيل زيارة الجبل من خلال التعجيل بإنجاز الطريق بين جنوب الباطنة والجبل الأخضر الذي سيتُيح للمركبات العادية الوصول إلى هذا المزار السياحي الفريد دون الحاجة إلى استخدام الطريق الجبلي الذي يتطلب مركبة دفع رباعي.
رابعًا: تطوير تجربة السائح، من خلال تقديم قيمة مضافة، مثل إتاحة الشاشات التفاعلية في المواقع التراثية، وتجارب الواقع المُعزز، أو تزويد هذه المواقع برموز الاستجابة السريعة "كيو آر كود"، تسمح للزائر أن يتعرف على تاريخ المكان من خلال استخدام هذا الرمز، ومن ثم الغوص في تجربة تاريخية يتم تقديمها بأسلوب شائق وبتقنيات متطورة مثل الذكاء الاصطناعي، أو ثلاثي الأبعاد.
كما يُمكن الاستفادة من الحكايات الشعبية العُمانية لتحويلها إلى مقاطع مصورة أو مُنتجة بالذكاء الاصطناعي، لكي يظل السائح مُتعلقًا بتجربة فريدة لم يخضها من قبل في أي دولة بالعالم.
خامسًا: إعداد برامج سياحية وخطط للجولات وفق رؤية عُمانية مُبهرة، وتقديم هذه الخطط والبرامج عبر أكبر المواقع السياحية في العالم، وحث شركات السياحة على انتهاج فكرة العروض التسويقية للحزم السياحية، مثل: منح العائلات دخولا مجانيا للأطفال دون السادسة إلى مختلف المواقع، وتقديم خصم على الأسعار للأطفال دون 12 سنة، وغيرها من الأفكار التي تُشجِّع على السياحة العائلية؛ باعتبارها النموذج الأبرز المُستهدف.
سادسًا: التوسع في إقامة الفعاليات المرتبطة بالشباب، والقادرة على جذب السياح والزوار، لا سيما من مُحيطنا الخليجي، مثل الحفلات الغنائية لكبار المُطربين الخليجيين والعرب والأجانب، وكذلك العروض المسرحية العربية، ومهرجانات السينما المرتبطة بالمواقع السياحية.
لا شك أنَّ هناك أفكارًا أخرى سبق وأن طرحها آخرون، وأفكار جديدة يُمكن إطلاقها إذا ما فتحنا المجال أمام العصف الذهني، خاصةً لو أقمنا مسابقة لأفضل الأفكار السياحية، ويقيني أن شبابنا وخبراءنا سيجودون بالعديد منها.
ويبقى القول.. إنَّ القطاع السياحي مؤهلٌ للغاية لكي يقود مسار نمو اقتصادي مُستدام، بفضل ما تزخر به بلادنا من مقومات متنوعة وفريدة، وما الأوامر السامية الداعمة لنمو هذا القطاع إلّا ترجمة صادقة على الحرص السامي لأن يتبوأ هذا القطاع الريادة، ويكون داعمًا لجهود التوظيف والتنمية المُستدامة؛ بما يُحقق في النهاية الأهداف الطموحة لرؤيتنا الواعدة "عُمان 2040".