.. ‏ورحلت الصابرة المحتسبة

 

 

 

راشد بن حميد الراشدي

 

تساقطتِ الدموعُ من المآقي

على فقد الكرام ِأولي الصلاحِ فموتُ عمتي أم زوجتي

مصائب في غداتي وفي رواحي تعالتْ صيحة ُالباكين حولي

وأثخنتِ الجراحَ على جراحي رجوت رحمة الباري تعالى

ومغفرةً لتسعدَ في فلاح فيا ربيْ، تجاوزْ كل ذنبٍ

وأسكنها قصورًا راسياتٍ

وأنزلها منازلَ أهلِ خيرٍ

وأسقِها كوثرًا ماءً فراتًا

 

إنها الحياة التي تجلت في النهايات الحتمية لكل البشر؛ حيث عاشت عمتي -رحمها الله- صابرة مُحتسبة، مجاهدة في مسار حياتها الذي عرفتهُ منذ فتحت عيني على هذه الحياة الفانية. فقد كانت تحمل روحًا سامية، تهب وتسخّر نفسها في خدمة جميع من حولها، وكانت راضية بما قسمه الله لها من عيشٍ كريم وحياةٍ هانئة، فسعت لخدمة ورعاية والدتها في بيتها حتى وفاتها، وسعت لتربية أبنائها، فرزقها الله أبناءً برّوا بها ورعوها وسط عائلاتهم، وقد ترعرعوا في كنف بيتٍ صالح كريم.

قضت عمتي -رحمها الله- سنواتها الأخيرة من عمرها صابرة مُحتسبة في عجزها، وقد بلغت الثمانين من العمر. وكان الوفاء والإخلاص من شيمها؛ إذ عرفها الكبير والصغير من أهلها بتلك الصفات الحميدة، فقد كانت تزور الجميع وتدخل كل بيت ذي صلة ورحم، تسأل عنهم، وتعاود مرضاهم، وتشارك أفراحهم، وفيّةً لحقوق ذوي القربى والرحم.

كانت كريمة تُبهج الأطفال بعطائها قبل الكبار، من أحفادها وأقربائها الذين كانوا يسعدون بكرمها وهداياها الخاصة لهم. وكان كل أحفادها منذ نشأتهم محل اهتمامها -رحمها الله-، تهتم بهم وبأحوالهم.

اليوم نودّع عمتي أم زوجتي، تلك الصابرة المحتسبة، التي رحلت بهدوء وسكينة فجر الخميس 21 أغسطس 2025م؛ ليختارها الله إلى جوار من رحلوا عنا، آمنة مطمئنة بإذن ربها، ولا نزكّي على الله أحدًا، سوى بما شهدنا عليه من صلاح وتقوى. فقد كنا لا نسمع لها صوتًا وهي تعاني من عجزها، محتسبة الأمر لله، فرحلت بهدوء الآمنين المرضيّ عنهم بإذن الله.

كانت -رحمها الله- وهي في سنواتها الأخيرة، ورغم عجزها ومرضها، تزور بعض الأهل في كرسيها المتحرك، واصلة بحبل المودّة أحبابها ممن عاصروها منذ الصغر. فترحل الأيام ويبقى الأثر شاهدًا على كل مؤمن بفعال الخير والإحسان التي قدّمها في حياته. رحلت عمتي، ودعوات محبّيها من الأهل والأحباب تشق عنان السماء بأن يغفر الله لها ويتغمدها بواسع رحمته، ويجزيها خير الجزاء، وأن يعوض أبناءها وأهلها خيرًا، ويرزقهم أجر الصبر والثبات.

اللهم اغفر لها وللمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهم اغفر لموتانا وموتى المسلمين.

الأكثر قراءة