دفء الندى على شفاه عطشى

 

 

عائض الأحمد

شهوة العقل حين تعانق فكرة الجسد، لا تُجرد الحاضرين من انتظارهم؛ بل تُبقيهم أسرى قهرٍ يتجلى في أبهى وأبشع صوره الحسية.

وقد نكون أنا أو أنت؛ فمشاعر الخلوة الروحية تأتي وتذهب حين تتجسد الوحدة، وترتدي رداء الخوف من الظهور، فيعلوها خمول الأفكار وازدحام هواجس التفرد، حتى تنحدر على كفّ من يترقبها، ويحلم بملامسة طيفها.

التصاق المعاني أسمى من جسدين يعشقان دفء الشتاء، تمازج أرواح، ككأس شوقٍ امتلأ ثم أُفرغ على أرضٍ صلبة، فتكسرت فوقها قطرات كرامته.

لن تراعي من رحل، وأنت تعلو ركاب من تحمله بيدين في عاصفة هوجاء، تتقاذفكم أتراح غيكم وبعد أزمانكم عن ضوضاء شوارد أفكاركم المليئة بأنانية، أريدك لي قبل أن تُخلق الأرض.

وفي أعماق صمتك، ينبض السؤال بلا إجابة، كأنه نهرٌ يحتدم خلف سدّ من خوف، يجرف معه أطياف من ذكرياتٍ لم تُقال، وتُترك وحيدةً في عزلة الأمنيات الثقال، أريدك هنا.

لن يكفي أن نلتقي جسدين فقط، بل يجب أن تلتصق أرواحنا على قدر الألم، تتنفس على إيقاع نبضاتٍ غير مرئية، حتى يصير الفراق لغةً لا نفهمها.

فهل تجرؤ أن تعانق الغياب؟

وتحنّ إلى ضوءٍ يولد من الظلمة؟

أنا هنا…

أريدك لي قبل أن تُصيبني نكسه لن تجبر، وأنتَ… هل تسمع نداء قلبي؟

كنت أخجل من تلاقي الأبدان في زحام الشوارع المظلمة، فتمنيت أن أصرخ بجنون رغباتي في ساحة مكتظة، وأقول: أنا لها، علّها تأتي منفتحة، مقبلة.

ها أنا ذا، أعيد الزمان إلى بداياته؛ حيث تنشق الروح تحت وطأة الحواس، تتنازع رغبة القدر مع إرادة الفكرة، كأنني في ميدان قتال لا يعرف هوادة، أجاهد نبضي، وأقاوم صراخي، وأحاول أن أُمسك بخيوط العقل قبل أن تذوب في لهيب الأفعال.

لكن الجسد، ذلك المتمرد الصامت، لا يرضخ بسهولة، يطلب المزيد، يحكي لي قصص أزلية، تنبعث من أعماق غابة من ألم وشوق لا يُقال.

هل هذه العودة… بداية أم نهاية؟

هل أتمرد على كياني، أم أستسلم لهدوء الانكسار؟

ها أنا بين ما أريده، وما أحلم به، وليس مجرد جسدٍ وعقلٍ في صراعٍ.

وفي لحظة صمتٍ عميق، تنساب الذكريات كأنهار من نورٍ وهدوء، تداعب حواف الزمن، فتوقظ في القلب ما تبقى من أحلامٍ مهجورة، وأجد نفسي هناك، بين ظلال الماضي وحفيف أغصان بقاياي، أُقنع نفسي أن اللقاء كان وعدًا مكتوبًا على صفحات الانتظار، تلك اللحظة التي ما زالت تسكن ركنًا من روحي، تتنفس ببطء، تنتظر فرصة للولادة من جديد.

فهل يستطيع الجسد أن يخضع لسلطان العقل؟

أم أن الفكر سيظل طيفًا يحوم فوق رماد الشوق؟

بين الانكسار والتمرد، أعانق هذا الصراع المقدس، أسبر أغوار نفسي، أبحث عن ذاك الكيان الذي تاه بين السطور، ذاك الذي لم يُكتب له أن يكون مجرد وعاء وعقل؛ بل هو كيانٌ يمتزج فيه الحلم والواقع، الألم والحرية، ينشُد الخلاص في لحظة صفاءٍ وحقيقة.

كنت أقول: تذكري تلك الأمسية الصماء، حين كان حديثي نظرات، يحركها ألم بعد ورجاء لقاء، رحلت فيه، وأنا تواريت، علنا نعود بعضًا من كل.

---

لها:

جوانجي ثكلي بمرض عضال لا شفاء منه، وقوده دعوة لحضور نعشي الذي أحمله.

شيء من ذاته:

غريب الأرض يناشد السماء، بعد أن ضاقت به.

نقد:

لن أُعلِّق المشانق، فترتد عليّ السياط.

الأكثر قراءة