د. سليمان بن عمير المحذوري
قبل أربع سنوات ونيف كتبت في جريدة الرؤية مقالًا بعنوان "الباحثون عن أمل"، ورغم هذه المدة، ورغم الجهود الحكوميّة في هذا الإطار؛ إلّا أن المشكلة ما زالت تراوح مكانها؛ حيث ظلَّت أعداد الباحثين عن عمل من الجنسين تتضاعف سنويًا، ومما زاد الطين بلّة زيادة أعداد المُسرحين من أعمالهم بشكل متصاعد.
وبالنظر إلى بوصلة عُمان المستقبلية نجد أنّ محاور رؤية "عُمان 2040" ركَّزت على صناعة مجتمع إنسانه مبدع ينتج كفاءات وطنية ذات قدرات ومهارات ديناميكية منافسة محليًا وعالميًا، وهذا المحور مرتبطٌ بشكل مباشر بمحور الاقتصاد والتنمية، الذي يهدف إلى التنويع الاقتصادي وإيجاد سوق عمل جاذب للكفاءات، ومواكب للتغيرات الاقتصاديّة والتقنيّة. وبعد مضي خمس سنوات وتنفيذ أول خطة تنفيذية لهذه الرؤية نلاحظ أن الاشتغال على ملف الباحثين عن عمل ما زال دون المستوى المطلوب؛ وذلك بسبب وجود أعداد كبيرة من الشباب لم يحصلوا على فرص وظيفية تحفظ لهم كرامتهم في العيش الكريم على هذه الأرض الطيبة، والمساهمة بجهدهم في الارتقاء بعُمان نحو مصاف الدول المتقدمة.
ومن المعلوم أن الشباب في أي مجتمع يشكلون ثروة وطنية يجب الاستفادة منهم، وتوجيههم نحو العمل والعطاء؛ وإلّا فإنهم بمثابة قنبلة موقوتة يُمكن أن تنفجر في أي لحظة، وثغرة يُمكن أن تُستغل لا سيما في ظل الظروف الحالية والتجاذبات الإقليمية. لذا، وخلال الخطة الخمسية المقبلة، من الأهمية بمكان التركيز على إيجاد حلول سريعة لهذه المعضلة بعيدًا عن البيروقراطية المقيتة، والخطط بعيدة المدى التي لا تقدم حلولًا عاجلة لواقعنا الحالي هذا أولًا. وبموازاة ذلك وحتى لا تكون الحلول آنية وترقيعية، لا بُد من العمل على تنويع الاقتصاد وتحويله إلى اقتصاد مُنتِج من أجل استيعاب الأعداد المتزايدة من مُخرجات المؤسسات التعليميّة بأنواعها، وضرورة تقديم تعليم نوعي يلبي طموحات جيل الشباب ويواكب العصر، وفي ذات الوقت يُلبي متطلبات التنمية المستدامة في سلطنة عُمان.
ورغم قلة الفرص الوظيفية المُتاحة مقارنة بأعداد المُتقدمين لها، وعلى سبيل المثال عند الحاجة إلى عدد من الموظفين في القطاع الحكومي يتم التنسيق مع وزارة العمل بهذا الخصوص وأخذ الموافقات اللازمة؛ إلّا أن وزارة المالية ترفض بحجة عدم توفر المخصصات المالية لهذه الوظائف، كما إن المؤسسات الحكومية تضم أعدادًا من القوى العاملة غير العُمانية، فلماذا لا يتم العمل سريعًا على الإحلال المباشر للعُمانيين المؤهلين في تلكم الوظائف.
ومن المؤكد أنّ الحكومة تُعوِّل على القطاع الخاص في امتصاص الأعداد المتنامية من الخريجين بمختلف تخصصاتهم، بيد أن هذا القطاع يتكئ أساسًا على الحكومة في دعمه، وهناك فئة صغيرة من المؤسسات بالكاد تستطيع الاستمرار. فهل القطاع الخاص مستعد لتحقيق هذا الهدف؟ مع علمنا اليقيني بسيطرة الوافدين على نسبة غالبة منه. ومن ناحية أخرى، هل المؤسسات التعليميّة قادرة على إعداد كوادر عُمانية مؤهلة ذات مهارات مطلوبة في سوق العمل المُتغيِّر؟
ختامًا.. يبدو لي أنّ ملف الباحثين عن عمل قد تفرَّقت مسؤوليته بين عدة جهات ولجان، وكل جهة تتنصل من مسؤوليتها تجاهه. وإزاء ذلك، وتحقيقًا للنتائج المرجوة، واختصارًا للوقت والجهد، ربما من الأجدى إسناد هذا الملف إلى جهة مرجعيّة مرتبطة مباشرة بوحدة متابعة تنفيذ رؤية "عُمان 2040" أو المكتب الخاص، بحيث تجري إدارة هذا الملف من الألف إلى الياء من خلال هذه الجهة حصرًا، وبالتنسيق الكامل والمباشر مع جميع الجهات الأخرى ذات العلاقة، ووضع خريطة طريق نحو مستقبل أفضل لسوق العمل العُماني يسير خطوة بخطوة مع رؤية عُمان الطموحة.