تباين آراء خبراء الإعلام حول مصداقيتها.. وتوافق على انتشارها بين الناس

منصات التواصل الاجتماعي في قفص الاتهام: أداة تحريض على الفوضى أم مرآة لقضايا المجتمع؟!

...
...
...
...
...
...
...
...
...

جعبوب: وسائل التواصل الاجتماعي تعكس نبض المجتمع حتى وإن شابها بعض القصور

الهوتي: المنصات تحولت إلى أدوات إعلامية غير تقليدية تمتلك قدرة هائلة على التأثير

"السوشال ميديا" تعج بالأخبار المُضللة والآراء السطحية غير المستندة على أدلة وبراهين

أبوخضير: "السوشال ميديا" تحولت لقنوات إعلامية مركزية للتفاعل ونشر الأخبار

خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي تخلق "فقاعات رأي" ولا تعكس رؤية معتدلة

 

 

الرؤية- ناصر العبري

تباينت آراء عدد من خبراء الإعلام والصحافة حول طبيعة منصات التواصل الاجتماعي "السوشال ميديا"، فبينما ذهب فريق إلى أنها تعكس نبض المجتمع لا سيما في القضايا الحيوية، رغم حالة التضخيم المصاحبة، يرى فريق آخر أنها تحقق انتشارًا لا مثيل له يفوق في كثير من القضايا تأثير وسائل الإعلام التقليدية، سواء الرسمية أو المستقلة.

وأكد الإعلامي حفيظ جعبوب أن منصات التواصل الاجتماعي في أغلب الأحيان تعكس نبض المجتمع بصورة قريبة من الواقع؛ إذ إن المستخدم نفسه هو فرد من هذا المجتمع، يعيش همومه، ويتفاعل مع تطلعاته، وينقل طموحاته اليومية كما هي، دون وسيط. وقال- في حديث لـ"الرؤية"- إن هذه المنصات أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياة الأفراد، تتحرك معهم من مكان إلى آخر، ومن قضية إلى أخرى، وتشكل حلقة وصل مباشرة بين الحدث والمتابع. وأضاف أنه بالرغم من أن "السوشال ميديا" قد تشهد في بعض الأحيان انتشار الشائعات أو تداول معلومات غير دقيقة نتيجة غياب التحقق من المصادر، إلّا أن هذا التحدي لا ينفصل عن طبيعة الإعلام بشكل عام؛ بل يفرض الحاجة إلى الوعي الإعلامي لا إقصاء المنصات ذاتها. وذكر أن المبالغة أو التشويه لا يلغيان حقيقة أن هذه الوسائل تعكس ما يشغل المجتمع فعليًا، وتكشف القضايا المسكوت عنها، وتسهم في تشكيل رأي عام واعٍ ومتفاعل. وأوضح أنه من خلال المتابعة والبحث في هذا المجال، يمكن القول إن الإعلام الحديث، متجسدًا في منصات التواصل الاجتماعي، بات يحظى بثقة شريحة واسعة من الجمهور تفوق في بعض الأحيان وسائل الإعلام التقليدية، وذلك لما توفره من مساحة حرية أكبر، وسرعة في نقل الحدث، وقدرة على صناعة محتوى قريب من اهتمامات المتلقين وواقعهم.

وتشير دراسات حديثة في الإعلام الرقمي إلى أن الجمهور يميل أكثر إلى المنصات التي تتيح التفاعل والمشاركة، وتمنح الأفراد دور "المواطن الصحفي" في نقل الخبر وصناعته. وقد أكدت أبحاث في مجال الاتصال الجماهيري أن "السوشال ميديا" لا تصنع القضايا بقدر ما تكشفها وتُضخِّم ما هو موجود أصلًا في الواقع الاجتماعي، وهو ما يجعلها مرآة تعكس أولويات الناس وآراءهم، حتى وإن شابها القصور أحيانًا في الدقة المهنية مقارنة بالإعلام المؤسسي.

وأوضح جعبوب أنَّ ذلك الأمر يُبرز بوضوح في التفاعل العالمي مع القضية الفلسطينية؛ حيث أسهم النشطاء والمؤثرون عبر منصات التواصل في كشف الواقع الإنساني المؤلم في غزة، في وقت سُخِّرت فيه بعض وسائل الإعلام الغربية لدعم الرواية الاسرائيلية. وقال إن هذا الزخم الرقمي أدى إلى رفع مستوى الوعي العالمي، وزيادة الضغوط الشعبية والدولية، ما يعكس قوة الإعلام الحديث في تشكيل الرأي العام وكسر احتكار الرواية.

وشدد جعبوب على أن وجود قوانين وتشريعات تنظم صناعة المحتوى الرقمي، إلى جانب تنامي الوعي المجتمعي، من شأنه الإسهام في ضبط هذا الفضاء الإعلامي وتعزيز مسؤوليته، لكنه أكد أن منصات التواصل الاجتماعي تبقى واحدة من أكثر الوسائل قدرة على نقل واقع المجتمع وآلامه وتطلعاته، والتعبير عن أحلامه بقدر عالٍ من الصدق والقرب من الناس.

من جهته، قال الإعلامي يوسف الهوتي إن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت قوة فاعلة ومؤثرة بشكل مباشر في تشكيل الرأي العام وتوجيه توجهات الأفراد والجماعات إزاء مختلف القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية؛ إذ لم تعد هذه المنصات مجرد وسائل للتواصل أو تبادل الآراء؛ بل تحولت إلى أدوات إعلامية غير تقليدية تمتلك قدرة هائلة على التأثير، تفوق في كثير من الأحيان تأثير وسائل الإعلام الرسمية والتقليدية. وأضاف الهوتي أنه رغم ما توفره هذه المواقع من سرعة في نقل المعلومة، واتساع في مساحة التعبير، إلّا أنها في الوقت ذاته باتت تعُج بكمٍ هائل من الأخبار غير الدقيقة، والمعلومات المُضلِّلة، والآراء التي تُطرح بوصفها حقائق مُسلَّم بها، دون إخضاعها للتحقق أو التدقيق، وهو ما يشكل تحديًا حقيقيًا أمام المجتمعات، خاصةً في ظل غياب الوعي الإعلامي لدى شريحة واسعة من المستخدمين.

وأوضح الهوتي أن الخطورة تكمن في تأثير هذه المنصات على الفئات الأقل تعليمًا ومعرفةً، ممن يتعاملون مع المحتوى المتداول على أنه الحقيقة المطلقة التي تعجز وسائل الإعلام الرسمية عن إيصالها، إما بدافع الحرص على النسيج الاجتماعي، أو مراعاة للاعتبارات السياسية والأمنية، أو التزامًا بالخطاب الوطني العام. وأضاف أن هذا الواقع يجعل بعض الفئات، لا سيما في المناطق الريفية والبدوية والأقل تحضرًا في العديد من الدول العربية والإسلامية، أكثر عرضة للتأثر بالمحتوى غير الموثوق، وما يحمله من أفكار قد تزعزع الاستقرار الفكري والاجتماعي.

ويرى الهوتي أن مواقع التواصل الاجتماعي- في المقابل- أثبتت قدرتها على إحداث تأثير ملحوظ في المجتمعات الحضرية والمتعلمة؛ حيث يتفاعل المستخدمون مع القضايا المطروحة من منطلق معرفي وثقافي وأخلاقي أكثر وضوحًا. وقال: "في هذه البيئات، لا يقتصر الدور على التلقي السلبي للمعلومة، بل يتعداه إلى النقاش والتحليل وتبادل وجهات النظر مع المؤثرين وصنّاع المحتوى، ما يخلق حالة من الحوار المجتمعي المفتوح، وإن لم يكن دائمًا خاليًا من الخلاف أو الاستقطاب".

وشدد الهوتي على أن العالم شهد تحولًا جذريًا في بنية التأثير الإعلامي، وأصبح سكانه أكثر عرضة لتأثير الإعلام الجديد، في وقت تراجع فيه الدور الحقيقي للإعلام التقليدي، أو بات عاجزًا عن مواكبة سرعة التغيرات ومتطلبات الجمهور المعاصر؛ الأمر الذي يستدعي إعادة النظر في آليات العمل الإعلامي، وتعزيز الوعي النقدي لدى المستخدمين، لضمان توظيف هذه المنصات بشكل إيجابي يخدم المجتمعات بدلًا من الإضرار بها.

وقال محمد أبو خضير مدير تحرير جريدة القدس: "في عصر أصبحت فيه منصات التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من حياة الناس، يتكرر التساؤل نفسه في الدوائر الصحفية والأكاديمية والسياسية: هل تعكس السوشيال ميديا الصورة الحقيقية للمجتمعات؟ أم أنها تقدّم صورة مشوّهة أو مبالغ فيها؟ وللإجابة على هذا السؤال من منظور صحفي مهني، لا بُد من الجمع بين رصد الواقع الرقمي وتحليل آراء الخبراء والدراسات العلمية في مجال الإعلام والاتصال".

وأوضح أبو خضير أنه لا يمكن إنكار أن السوشيال ميديا لعبت دورًا ثوريًا في تشكيل الحوار العام؛ حيث تحوّلت منصات مثل فيسبوك وإكس وإنستجرام إلى قنوات مركزية للتفاعل ونشر الأخبار، بحيث بات كثير من الناس يعتمدون عليها كمصدر أول للمعلومات، خصوصًا في القضايا السياسية والاجتماعية. ورغم أن هذا التحوّل يمنح الفرصة لصوت المواطن ليكون حاضرًا بشكل مباشر، إلا أن ذلك لا يعني تلقائيًا أنه يعكس الواقع المجتمعي بأكمله. وأوضح أنه في دراسة أكاديمية حول تأثير السوشيال ميديا على الرأي العام، وجد الباحثون أن المنصات أصبحت مسارًا مهمًا لتشكيل الرأي، لكنها في الوقت نفسه تخلق ما يُعرف بـ"غرف الصدى"؛ حيث يتلاقى المستخدمون مع آراء مماثلة لآرائهم؛ مما يعزز الانقسام ويقلّل من رؤية الرأي الآخر. وقال إن هذه النتيجة تتوافق مع ما يشير إليه كثير من الخبراء في الإعلام الرقمي إلى أن التأثير الحقيقي للسوشيال ميديا لا يكمن في عكس "الرأي العام الشامل"؛ بل في تعزيز وتحفيز تفاعلات مجموعات محددة على منصات رقمية.

وقال إنَّ من الجوانب اللافتة في "السوشيال ميديا" بروز ما يُعرف بـ"المؤثرين" الذين يحظون بآلاف أو حتى ملايين المتابعين، وهؤلاء يشكلون رأيًا عامًا يصوغ مواقف ومشاعر جماهيرية حول قضايا معينة، وأحيانًا يغيرون الثقافة العامة حول موضوع ما بشكل أسرع من وسائل الإعلام التقليدية.

من جهة ثانية، يرى أبو خضير أن التعبير عن الرأي عبر الإنترنت ليس دائمًا مؤشرًا شاملًا على مواقف المجتمع بأكمله في الواقع المعيش، ومن أبرز أسباب التشويه في الصورة التي تقدمها السوشيال ميديا هو عمل الخوارزميات نفسها؛ حيث إن هذه الخوارزميات تُفضِّل المحتوى المشوّق أو المثير، والأكثر احتمالًا للتفاعل، على المحتوى المتوازن أو التحليلي. وأوضح أن هذا ما جعل بعض الخبراء يصفون وسائل التواصل بأنها مرآة مكبّرة للآراء الأكثر صوتًا، وليس للأغلبية الصامتة بشكل عام. وذكر أنه بسبب الخوارزميات تتشكل "فقاعات رأي"؛ حيث يتكرر للمستخدم نفس النوع من المحتوى؛ مما يعزز مشاعر الانحياز إلى رأي واحد ويقلّل من رؤية وجهات نظر بديلة ومتوازنة.

من جانبها، قالت الخبيرة الإعلامية الدكتورة لجين سليمان، إن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية، ومصدرًا أساسيًا لتشكيل الانطباعات عن المجتمعات، سواء من الداخل أو من الخارج. وأضافت أنه لا يمكن إنكار أن وسائل التواصل الاجتماعي منحت الأفراد مساحة غير مسبوقة للتعبير عن آرائهم وتجاربهم اليومية؛ فهي تتيح نقل الأصوات المهمشة، وتسليط الضوء على قضايا كانت غائبة عن الإعلام التقليدي، كما تكشف عن تحولات اجتماعية وثقافية حقيقية، خصوصًا لدى فئة الشباب. وأكدت أن السوشال ميديا تعكس جزءًا من نبض المجتمع، وتُظهر ملامح من اهتماماته، لغته، وأنماط تفاعله. لكن المشكلة تكمن في الاعتقاد بأن هذا الجزء هو الصورة الكاملة. وشددت على أن وسائل التواصل الاجتماعي لا تعمل بوصفها منصة حيادية؛ بل تخضع لمنطق الخوارزميات، والمنافسة على الانتباه، وثقافة "الترند"، وهذا المنطق يدفع المستخدمين- وخاصة المؤثرين- إلى تقديم محتوى مُبالَغ فيه، جذّاب بصريًا، وسريع الاستهلاك، حتى لو كان بعيدًا عن الواقع المعاش.

وتعتقد سليمان أن السوشال ميديا تمثل أداة قوية لفهم اتجاهات الرأي العام، لكنها غير كافية لفهم الواقع الاجتماعي بكل تعقيداته، داعية إلى التعامل النقدي مع محتواها؛ سواء من قبل الجمهور أو صُنَّاع القرار أو الإعلاميين، لتفادي الخلط بين الصورة الرقمية اللامعة، والواقع الاجتماعي الحقيقي الذي غالبًا ما يكون أكثر تعقيدًا وتناقضًا.

وقالت الدكتورة ابتسام محمد العامري الأكاديمية بكلية العلوم السياسية في جامعة بغداد، مديرة سابقة لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بالجامعة إن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت ظاهرة معقدة؛ فهي بقدر ما توفر التواصل بين الأفراد، تخضع لسيطرة المتحكمين في هذه المنصات، وهذا ما يدفع بعض الدول إلى حجب هذه الوسائل بسبب قوة تأثيرها على مستوى القاعدة الشعبية للمجتمعات. وأضافت أن هذه الوسائل أحدثت تحولًا جذريًا في طريقة تفاعل الأفراد مع بعضهم البعض ومع العالم من حولهم. وأوضحت أن وسائل التواصل الاجتماعي يُنظر لها باعتبارها وسائل اعلام جديدة لها القدرة على تنشيط المجال العام الافتراضي؛ حيث أصبح السياسيون يستخدمونها لأنها وسيلة فعّالة ومنخفضة التكاليف وسريعة الوصول لمؤيديهم، كما يمكن استخدامها من قبل الحكومات المختلفة في تقديم خدمات للمواطنين ولتوفير المعلومات لهم، وتقديم مبادرات تنموية تشاركية. وشددت العامري على أن مواقع التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين، من حيث إنها تحمل جوانب إيجابية وأخرى سلبية؛ اذ يتحدد جانبها الإيجابي في قدرتها على توفير منصة فورية ومستمرة تعزز من شعور التقارب والتواصل بين الأفراد، ومنبر لتبادل وجهات النظر وسرعة الوصول الى المعلومات، ومحتوى تعليمي متنوع ومجاني.

وترى العامري أن الجوانب السلبية تتحدد في التنمر الإلكتروني الذي يأخذ أشكالًا مختلفة ومتنوعة، والتشهير والابتزاز الإلكتروني والذي غالبًا ما يهدف إلى إلحاق الضرر بشخص ما، أو الجماعات المتطرفة.

وقال جورج عاطف الصحفي بصحيفة «الجريدة» الكويتية إن "السوشيال ميديا"، أو ما يُطلق عليه حديثًا «الإعلام البديل»، لا تعكس مطلقًا الصورة الحقيقية للمجتمعات المُنغمسة حتى الرقاب في استخدامها، والتي للأسف باتت تُستعمل وتُستغل دون أدنى ضوابط أخلاقية لدى شريحة عريضة من روّادها ومستخدميها، لا سيما في عالمنا العربي؛ حيث باتت مواقع التواصل على تنوّعها (فيسبوك، إنستجرام، إكس، سناب شات، تيك توك… وغيرها)، عالمًا افتراضيًا بديلًا تهرول إليه الناس هربًا من واقعها المُعاش، لأسباب عدة؛ منها: عدم المواجهة المباشرة مع المُخاطَب، والتخفّي والانعزال خلف الشاشات الذكية، وحرية التعليق وكتابة ما تريد بالطريقة التي تحلو لك، دون أي ضوابط أو حدود أو موانع من أي نوع.

وأضاف أنه بالنظر إلى مواقع التواصل، نجدها جامعةً شاملةً، من كل حدب وصوب، لصنوف الشخصيات الحياتية كافةً، الذين يحرص معظمهم على مشاركتنا تفاصيل حياتهم اليومية؛ سواء بنشر صور جميلة مُعدَّلة عبر البرامج الحديثة المُخصّصة لذلك، أو بواسطة «الذكاء الاصطناعي» (AI)، أو من خلال تعليقاتهم على الأحداث المحلية والعالمية المتسارعة التي يشهدها العالم بين الفينة والأخرى. ويستدرك عاطف بالقول إن قاسمًا مشتركًا بين مستخدمي هذه المواقع يتجلى في أن جميعهم يُظهرون خلاف ما يُبطنون؛ فلا هي حياتهم وردية كما يحاولون جاهدين إظهارها من خلال صورهم الجميلة الجذّابة، ولا هم على قناعة تامة بكل ما تخطّه أياديهم من كلمات للتعليق على الأحداث، إنما جلّ الغاية ركوب الموجة واعتلاء «الترند».

وقال: "هنا يأتي سؤال المرحلة: هل تُعدّ «السوشيال ميديا» مرآةً مجتمعية حقيقية؟ الإجابة، بملء الفم، «لا»، وهذا من مراحم الله، جلّ وعلا، وفضله الكبير علينا؛ إذ إنها ليست كذلك، وإلا لكان المجتمع ثلاثيَّ الـ«م»: «مخادع، مخاتل، مختلّ». وفي الوقت ذاته، لا يمكن استبعادها بالجملة عند تحليل ظاهرة اجتماعية؛ كون مستخدميها وروّادها يُمثلون جزءًا أصيلًا من عالمنا الكبير ومجتمعاتنا الصغيرة، غير أن وصفها بالجملة بأنها انعكاسٌ لمجتمعاتنا يحمل في طياته الكثير من المغالطة وعدم الإنصاف، لا سيما أن الخير ما زال باقيًا في المجتمع، رغم كل ما يشوبه من ظواهر ومظاهر دخيلة وغريبة ومغايرة تمامًا لعاداتنا وتقاليدنا. وأكد أن من الغبن أن تكون هذه الآلة، التي لا تحمل أدنى أنواع المشاعر في كثير من الأحيان، عاكسةً كاشفةً لطبيعة مجتمعاتنا.

وشدد عاطف على أن «السوشيال ميديا» مرآة صادقة للمجتمع، بقدر ما هي مسرح واسع للأقنعة، تُعرض عليه نسخ مُحسّنة ومُفبركة من الواقع، عالم افتراضي يختبئ فيه كثيرون خلف الشاشات، يقولون ما لا يجرؤون على قوله وجهًا لوجه، ويظهرون حياة لا يعيشونها فعلًا، ومع ذلك، لا يمكن تجاهلها عند قراءة المشهد الاجتماعي، لكنها تبقى أداة مضلِّلة إذا أُخذت كمعيار وحيد للحكم على المجتمعات، فالحقيقة أبعد وأعمق من صورة مُعدّلة وتعليق عابر وترند مؤقت.

فيما قال الإعلامي نزار العلي، إنه لا يمكن اعتبار السوشال ميديا مرآةً حقيقيةً كاملةً لأي مجتمع بشكل مطلق، لكنها في الوقت ذاته ليست وهمًا؛ بل إنها مرآة مجتزأة ومكبّرة تعكس جزءًا من الواقع من زاويا في أغلب الأحيان واحدة. ويرى أنه لا يمكن تجاهل أن السوشال ميديا كشفت أشياءً كان من الصعب فهمها أو الإجماع عليها، وفتحت نوافذ حقيقية للتعبير، وساهمت في نقل قضايا اجتماعية وإنسانية لم تكن تجد طريقها إلى الإعلام التقليدي، لكنها تظل منصة تعبير لا منصة تمثيل شامل.

 

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة

z