الاستدامة لضمان حماية البيئة

علي بن حمدان بن محمد البلوشي**

في ظل التحديات البيئية المتزايدة التي يشهدها كوكب الأرض، أصبح من الضروري تسليط الضوء على أهمية حماية البيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية لضمان استدامتها للأجيال القادمة. فالنمو السكاني، والتوسع العمراني، والاستهلاك المفرط للموارد، كلها عوامل تؤدي إلى تدهور البيئة وتناقص المخزون الطبيعي.

إن حماية البيئة ليست خيارا، بل مسؤولية جماعية تتطلب وعيًا مجتمعيًا عميقًا، ومشاركة فعالة من جميع الفئات، وخاصة فئة الشباب، كونهم قادة المستقبل وحملة راية التغيير. كما إن للمجتمع المدني دورًا حيويًا في تعزيز مفاهيم الاستدامة والمساهمة في مشاريع تنموية تراعي الجوانب البيئية.

الاستدامة تعني القدرة على تلبية احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال المستقبلية على تلبية احتياجاتها، وذلك من خلال الاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية، والمحافظة على التوازن البيئي، وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية بشكل متكامل. وتشمل الاستدامة ثلاثة أبعاد رئيسية: البيئية، والاقتصادية، والاجتماعية، ويجب تحقيق التوازن بينها لضمان نتائج طويلة الأمد.

تجسدت مفاهيم الاستدامة في العديد من الدول الرائدة مثل السويد، التي تبنّت اقتصادا دائريًا يعتمد على إعادة التدوير وتقليل النفايات، وكندا التي طوّرت خططًا لإدارة المياه والغابات بشكل مستدام.

في سلطنة عُمان، تبرز جهود متعددة لتحقيق الاستدامة، عبر مؤسسات وطنية تعمل بتناغم لحماية البيئة، مثل هيئة البيئة العمانية التي تشرف على السياسات البيئية وتنفيذ مشاريع لإعادة التشجير، ورصد التلوث، والحفاظ على الحياة الفطرية، بالإضافة إلى الهيئة العمانية للمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة، التي تشجع الاستثمار في مشاريع مستدامة وتفرض معايير بيئية صارمة في المناطق الصناعية.

وتولي سلطنة عمان اهتماما خاصا بالاتفاقيات الدولية البيئية، كاتفاقية باريس للمناخ، وتهدف إلى تحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على الموارد. حيث تلعب الهيئة العمانية للبيئة دورًا محوريًا في تعزيز ثقافة الاستدامة في سلطنة عمان، من خلال تبنّي سياسات وتشريعات بيئية تضمن الاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية، وحماية النظم البيئية، والحد من التلوث، وذلك ضمن رؤية وطنية شاملة للتنمية المستدامة. حيث تعمل الهيئة على تطوير وتطبيق القوانين البيئية التي تلزم المؤسسات الصناعية والإنشائية باتباع معايير الاستدامة. كما تعمل الهيئة على بناء شراكات مع القطاع الصناعي من أجل إدخال ممارسات صديقة للبيئة في العمليات الإنتاجية، ومنها التعاون مع الهيئة العمانية للمناطق الاقتصادية الخاصة لتطبيق أنظمة بيئية صارمة في المناطق الصناعية وكذلك دعم مشاريع الطاقة المتجددة والنقل المستدام. وتسهم الهيئة العمانية للبيئة في بناء ثقافة استدامة وطنية تستند إلى العلم والتشريع والتعاون، مما يضمن حماية موارد البلاد الطبيعية وتوريثها للأجيال المقبلة بحالة أفضل.

ومن الأمثلة الخليجية، فقد دشنت دولة الإمارات العربية المتحدة مدينة "مصدر" كمثال حي لمدينة مستدامة تعتمد على الطاقة المتجددة والنقل النظيف، كما وضعت المملكة العربية السعودية أهدافًا طموحة ضمن رؤيتها 2030 لتحقيق الاستدامة البيئية، من خلال مبادرات مثل "السعودية الخضراء".

لتحقيق الاستدامة البيئية، يمكن توظيف العديد من الأدوات، أهمها سنّ قوانين وتشريعات تحمي التنوع البيولوجي، وتطوير حلول مبتكرة مثل الطاقة الشمسية، وتحلية المياه باستخدام الطاقة المتجددة، وتقنيات الزراعة الذكية، وتعزيز الوعي البيئي من خلال المناهج الدراسية، والأنشطة التثقيفية في المدارس والجامعات، كما إنه من الأهمية التكامل بين المؤسسات الحكومية، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني لتنفيذ مشاريع بيئية شاملة.

أيضا تلعب المؤسسات التعليمية دورًا أساسيًا في بناء ثقافة الاستدامة من خلال دمج مفاهيم التنمية المستدامة ضمن المناهج الدراسية ودعم البحوث البيئية ومشاريع الابتكار الطلابية التي تقدم حلولًا للتحديات البيئية. وكذلك تنظيم حملات التوعية، وورش العمل، والندوات البيئية التي تستهدف الطلبة والمجتمع المحلي وتشجيع الممارسات الخضراء داخل الحرم الجامعي، مثل إعادة التدوير، واستخدام الطاقة الشمسية، وتقليل النفايات البلاستيكية.

وقد أطلقت العديد من الجامعات العمانية برامج خاصة للاستدامة، مما يعزز من قدرات الطلبة ليكونوا سفراء للبيئة في مختلف قطاعات العمل مستقبلًا.

إن تحقيق الاستدامة ليس هدفا آنيا، بل مسار مستمر يتطلب تضافر الجهود من مختلف الجهات. فبتعاون المؤسسات الحكومية، والجامعات، والمجتمع المدني، وبدعم من الشباب، يمكننا أن نؤسس لمستقبل بيئي مستدام يحفظ للسلطنة مواردها الطبيعية، ويحمي تنوعها البيولوجي، ويضمن حياة كريمة للأجيال القادمة، فالبيئة أمانة في أعناقنا، والاستدامة هي السبيل للحفاظ عليها.

**أستاذ مساعد بالكلية الحديثة للتجارة والعلوم

 

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة