مدرين المكتومية
نحن نعيش الحياة كمن يعتقد بداخله أن كل شيء كما يتوقع وكما يملي عليه حدسه وكما تخبره نفسه تجاه الأشخاص وتجاه المواقف وتجاه كل ما يدور من حوله، ولكن الحقيقة ليست كما نتصورها دائما ولا كما نريد منها أن تكون، إنها تختلف وتتغير وتصبح مع الوقت شيئا آخر غير الذي نريد أو رسمنا له.
إننا في عالم متغير.. يتغير فيه كل شيء بسرعة فائقة كما تتغير فصول السنة وتتعاقب، إننا نعيش في عالم لا ينتظر أحدا.. الناس الذين نعرفهم اليوم قد لا يكونوا هم الأشخاص الذين نعتمد عليهم غدًا، والحياة التي نعيشها لن تكون هي كما نراها اليوم.. الحياة سريعة لدرجة أننا لا نستطيع التوقف للحظة واحدة عن الركض فيها كمن يدخل سباقًا لا يستطيع التوقف فيه لأن التوقف بمثابة الخسارة، وكأننا مجبرون على مسايرة تلك الحياة بكل ما فيها.
عندما أتحدث عن هذا فإنني أتحدث عن مسألة مهمة، وهي مسألة "التغيير"؛ كيف للإنسان أن يتغير ويغيّر الأشياء من حوله، أن يكون قادرًا على أن يصنع من نفسه شخصًا آخر لزمنٍ آخر غير الذي اعتاده، أن يغيّر من شخصيته التي قد تتسم بصفات لا تصلح لهذا الوقت، أن يعامل الوقت على أنه مثل العواصف تأتي دائمًا دون سابق إنذار، وتخلّف خلفها دمارًا لا يمكن التكهن به. على الإنسان أن يكون قادرًا على أن يتكيّف، وأن يغيّر ذاته بحسب ظروف الوقت والأوضاع التي يمر بها.
التغيير ليس فقط مسألة شخصية ولكنه أيضًا شيء مهم، فهو يمنحك القدرة على أن تنهض دائمًا.. أن تعلو رغم كل الإحباط المحيط بك، أن تسمو وتكبر رغم أنف الجميع، ألا تنكسر مهما كانت التحديات، أن ترى دائمًا نفسك أولوية وأن تعطيها كل الاهتمام، ألا تسمح لأيٍّ كان أن يأخذ منك سلامك النفسي وطبيعتك الطيبة.. عليك أن تكون دائمًا حريصًا على أن تصنع من نفسك نسخة أفضل، وليس العكس.
التغيير ليس في الشخصية فقط وإنما يتبعه تغيير المحيط وتغيير الأماكن، وربما تغيير في كل تفاصيل الحياة. فعندما يقرر الإنسان أن يغير شيئًا فهو بالتأكيد قد عاش لحظات مؤلمة تدفع به نحو إيجاد شيء آخر أو شخص آخر لنفسه قد يكون أفضل ويتناسب مع كل العالم المحيط به.. فالإنسان قد يكتشف في موقفٍ واحد أن هناك "أقنعة" كثيرة قد سقطت.. فقط بسبب فكرة التغير التي طرحها على نفسه.
للأسف، نحن لا نرى الأشياء والأشخاص كما هم على حقيقتهم، ولكننا نراهم عندما نتغير وعندما يصبح كل شيء مختلفا، حينها ندرك أن هؤلاء ليسوا من نعرفهم وأن الأماكن ليست بذلك الاتساع كما نعتقد، حينها يكون للتغيير إيجابية.. حينها يمكن للمرء أن يصنع لنفسه فرصة أن يكون الشخص ذاته، ولكن بصفاتٍ أخرى أكثر قدرة على التكيّف مع المتغيرات والعالم الذي يعيش حوله.