تحديات التعليم في العصر الرقمي

علي بن حمدان بن محمد البلوشي**

 

يعيش العالم اليوم ثورة رقمية شاملة تمسّ جميع جوانب الحياة، وكان لقطاع التعليم نصيبٌ كبير من هذا التحول، فقد غيرت التكنولوجيا الحديثة، وعلى رأسها الإنترنت والذكاء الاصطناعي من شكل التعليم وأدواته، وفتحت آفاقا جديدة لتقديم المعرفة والوصول إليها. لكن هذه النقلة النوعية لا تخلو من التحديات، حيث يتعين على المؤسسات التعليمية والطلبة والمعلمين التكيف مع واقع جديد يختلف جذريًا عن النظم التقليدية.

وفي هذا المقال، نسلط الضوء على أبرز التحديات التي تواجه التعليم في العصر الرقمي، ونناقش الأثر العميق للذكاء الاصطناعي، وأهمية الموارد التعليمية المفتوحة، ودور التعليم المفتوح والتعليم عن بعد في إحداث نقلة نوعية في إتاحة التعليم للجميع.

هناك تغير هائل في تقديم المعرفة، حيث كانت العملية التعليمية سابقا تعتمد على المعلم كمصدر رئيسي للمعرفة، والكتاب المدرسي كمصدر مكتوب وحيد. أما اليوم، فقد تنوعت أدوات تقديم المعرفة وتعددت منصات التعلم، من الفيديوهات التفاعلية إلى المنصات الإلكترونية الذكية. هذا التحول غيَّر دور الطالب من متلق سلبي إلى باحث نشط ومشارك في صناعة المعرفة. ومع ذلك، فإن هذا التغيير يتطلب مهارات جديدة في البحث والنقد والتحقق من المصادر، وهو ما يشكل تحديا في حد ذاته للطلبة والمعلمين على حد سواء.

يلعب الذكاء الاصطناعي اليوم دورا متزايدًا في العملية التعليمية، حيث يُستخدم في تصميم أنظمة تعليمية تكيفية تلائم احتياجات كل طالب، وفي تحليل الأداء الأكاديمي وتقديم تغذية راجعة فورية. كما أصبح بالإمكان تطوير روبوتات تعليمية تساعد في الشرح والإجابة عن أسئلة الطلاب، ما يسهم في تعزيز الفهم وتخصيص التعلم. إلا أن هذا التقدم يُثير أيضا مخاوف تتعلق بالخصوصية، والاعتماد الزائد على التكنولوجيا، والتفاوت في فرص الوصول إلى هذه الأدوات المتقدمة بين الدول والمجتمعات.

في سبيل دعم التحول الرقمي في التعليم، تبنّت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) مبادرة الموارد التعليمية المفتوحة (OER)، التي تهدف إلى إتاحة المحتوى التعليمي بشكل مجاني وقابل للتعديل وإعادة الاستخدام. هذه المبادرة تتيح للمعلمين والطلاب الوصول إلى مواد تعليمية عالية الجودة دون قيود مادية أو قانونية، ما يسهم في تقليص الفجوة التعليمية بين الدول المتقدمة والنامية. ورغم أهمية هذه الموارد، فإن التحدي يكمن في ضمان جودة المحتوى وتحديثه باستمرار بما يتماشى مع المناهج والمتغيرات المعرفية.

يمثل التعليم المفتوح فلسفة تعليمية تهدف إلى كسر الحواجز الزمانية والمكانية والمادية، بحيث يتمكن أي فرد من التعلم في أي وقت ومن أي مكان. ومع انتشار الإنترنت، أصبح من الممكن للطلاب في المناطق النائية أو من ذوي الدخل المحدود الوصول إلى أفضل الجامعات والدورات التعليمية حول العالم. غير أن هذا التوجه يتطلب بنية تحتية رقمية قوية، ومهارات استخدام التكنولوجيا، ودعمًا حكوميًا ومؤسساتيًا لضمان شمولية الوصول وتحقيق العدالة التعليمية.

لقد أثبت التعليم عن بعد أهميته الكبرى، خاصة خلال جائحة كوفيد-19، حيث اعتمدت عليه أغلب المؤسسات التعليمية لضمان استمرارية التعليم. وقد أدركت الجامعات أهمية التحول الرقمي، وبدأت تقلل من اعتمادها على الفصول الدراسية التقليدية والمكتبات الورقية، مفضّلة الاستثمار في المنصات الإلكترونية والمكتبات الرقمية. لكن نجاح هذا التحول يعتمد على توفر البنية التحتية من شبكات إنترنت سريعة، وأجهزة رقمية ملائمة، ودعم تقني مستمر. ويعد هذا التحدي من أكبر العقبات التي تواجه المؤسسات في الدول ذات الإمكانيات المحدودة.

لقد أصبح التعليم في العصر الرقمي أكثر تنوعًا ومرونة، لكنه في الوقت نفسه يواجه تحديات معقدة تتطلب تكاتف الجهود من الحكومات، والمؤسسات، والمعلمين، والطلبة. ومن خلال توظيف الذكاء الاصطناعي، وتوسيع نطاق الموارد التعليمية المفتوحة، وتعزيز التعليم المفتوح والتعليم عن بعد، يمكن التغلب على هذه التحديات وفتح آفاق أوسع لمستقبل تعليم أكثر عدالة وشمولية. فالتعليم لم يعد حكرًا على فئة أو مكان، بل أصبح حقًا عالميًا تدعمه التكنولوجيا وتسنده الإرادة الدولية لبناء مجتمعات المعرفة.

 

**أستاذ مساعد بالكلية الحديثة للتجارة والعلوم

 

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة