مبادرة الحضارة العالمية.. حكمة صينية لتجاوز الصراع

سعادة ليو جيان**

في مارس 2023، طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ "مبادرة الحضارة العالمية"، التي تتمحور حول مفهوم "مجتمع المستقبل المشترك للبشرية"، داعيًا إلى احترام تنوع الحضارات، وتعزيز القيم المشتركة، ودعم التبادل والحوار بين الحضارات. وقد لاقت هذه الرؤية ترحيبًا واسعًا من المجتمع الدولي.

وفي عام 2024، بمبادرة مشتركة من الصين وأكثر من 80 دولة، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ78 قرارًا بإعلان "اليوم الدولي للحوار بين الحضارات". وفي العاشر من يونيو هذا العام، احتفل العالم بأول "اليوم الدولي للحوار بين الحضارات"، وهي خطوة رمزية تترجم المبادرة من فكرة إلى ممارسة، وتستجيب لتطلعات الشعوب نحو تعزيز التفاهم الحضاري ودفع التقدم البشري. 

التنوع الحضاري هو السمة الأساسية للمجتمع البشري. فكل حضارة تمثل ثمرة للإبداع الإنساني، وكما لا توجد ورقتان متطابقتان في العالم، ينبغي أن تتنوع الحضارات وتزدهر. تدعو مبادرة الحضارة العالمية إلى احترام هذا التنوع، ورفض فرض نموذج حضاري واحد، ومقاومة نظريات "تفوق الحضارة" أو "صراع الحضارات". تضع هذه المبادرة الحضارات الإنسانية في إطار "التبادل بدلا من الصراع"، وتشجع الدول على البحث عن القواسم المشتركة في التاريخ والفلسفة والأدب والفنون وأنماط الحياة، لتعزيز التفاهم المتبادل. 

وتدعو سلطنة عمان عبر تاريخها العريق إلى تعزيز الحوار والتسامح، حيث يحرص التقليد العماني في الوساطة القبلية على مبدأ "الاستماع قبل الكلام"، وقد أكد السلطان الراحل قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- أن "الحوار جسر بين الحضارات". وفي الصين، قال الفيلسوف الكبير كونفوشيوس: "بين ثلاثة أشخاص أسير، لا بد أن أجد معلمًا بينهم." وهكذا يجب أن تتفاعل حضارات العالم، مستنيرة ببعضها البعض.

الحوار الحضاري هو الدواء الناجع للخلافات. تتمسك الصين وعُمان بمبادئ الدبلوماسية السلمية، مثل التعايش الودي وحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. وقد أكد جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم أن "كما سنبقى داعين ومساهمين في حل الخلافات بالطرق السلمية وباذلين الجهد لإيجاد حلول مرضية لها بروح من الوفاق والتفاهم.." 

تمثل السياسة الخارجية العمانية نموذجًا للحوار والشمول كأساس لحل جميع القضايا، حيث ظلت تدعو باستمرار إلى حل القضية الفلسطينية عبر الطرق السياسية، ولعبت دورًا مهما وفريدا في المصالحة بين السعودية وإيران، وعقد جولات عديدة من المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران، ووقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة وجماعة الحوثي في اليمن، مما أكسبها ثناءً دوليًا واسعًا بوصفها وسيطًا موثوقًا. وهذا الدور الذي تقوم به عًمان يتوافق تمامًا مع مبادرة الحضارة العالمية، التي تدعو إلى استبدال الصراع بالتعاون، وإزالة الأحكام المسبقة عبر الحوار، وتعزيز التعايش السلمي عبر التفاهم الثقافي.

في ظل تحولات نظام الدولية العميقة، وتصاعد التوترات الإقليمية، وتشابك الأزمات، تتفاقم أوجه القصور في السلام، والتنمية، والأمن، والحوكمة. إن البشرية تقف عند مفترق طرق تاريخي، حيث أصبحنا أكثر ترابطًا من أي وقت مضى، لكننا نواجه أيضًا فجوات معرفية واحتكاكات حضارية أكثر تعقيدًا. ولا يمكن بناء الثقة المتبادلة وضمان الأمن المشترك إلا من خلال تعزيز الحوار بين الحضارات. 

التبادل الحضاري هو جسر للتواصل بين الشعوب. فكل من عُمان والصين تمتلكان تراثًا حضاريًا عريقًا، والعلاقات الودية بين البلدين هي تجسيد حي لمبادرة الحضارة العالمية. فبعد ألف عام من التفاعل الحضاري على طريق الحرير البحري، تحولت هذه العلاقة اليوم إلى سيمفونية تعاون في إطار "الحزام والطريق".

إن إطلاق الموقع باللغة الصينية للمتحف الوطني العماني جذب أعدادًا كبيرة من السياح الصينيين، كما أعلنت الصين مؤخرًا عن إعفاء مواطني عُمان من التأشيرة لمدة 30 يومًا، بينما يتعرف المزيد من الطلاب العمانيين على الثقافة الصينية عبر مشروع "جسر اللغة الصينية"، وستدرَّس اللغة الصينية قريبًا في المدارس الثانوية العمانية. وقد أكد الرئيس شي جين بينغ مرارًا أن "علاقات الدول تُبنى على تقارب الشعوب، وتقارب الشعوب يقوم على التفاهم بين القلوب." وهكذا واصلت الصين وعُمان تعميق التفاهم وتوسيع أواصر الصداقة عبر الحوار بين الشعوب والثقافات. 

على أعتاب هذا العصر، لن نصل إلى مستقبل التعاون والازدهار إلا إذا اتخذنا من الحضارة سفينةً ومن الحوار مجدافًا. وتتطلع الصين إلى العمل مع عُمان وجميع دول العالم، تحت مظلة مبادرة الحضارة العالمية، لتحقيق التوافق عبر الحوار، وإيجاد نقاط التقاء عبر التبادل، وكتابة فصل جديد في سجل الحضارة الإنسانية.

**سفير جمهورية الصين الشعبية

 

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة