ضرورة ازدواجية طريق "وادي بني غافر" الاستراتيجي

 سعيد بن سالم الكلباني

تحتاج بعض الطرق الحيوية إلى إعادة تأهيل في ظل أهميتها الفعلية في الحركة الاقتصادية والاجتماعية بين المحافظات، ومن أبرز هذه الطرق، طريق وادي بني غافر الرابط بين ولاية عبري في محافظة الظاهرة وولاية الرستاق في محافظة جنوب الباطنة.

هذا الطريق، الذي كان يُنظر إليه يومًا كخيار جبلي ثانوي، تحول تدريجيًا إلى واحد من أكثر المسارات استخدامًا لعبور الشاحنات والمركبات دون المرور بمحافظات أخرى.

محافظة الظاهرة تمتلك أربعة ممرات مباشرة إلى الباطنة؛ هي: وادي الحواسنة (الخابورة-عبري)، وادي بني عمر (صحم- عبري)، وادي حيبي (صحار- ينقل)، وأخيرًا وادي بني غافر (الرستاق- عبري). ورغم الطابع الجبلي المشترك بين هذه الطرق، إلا أن طريق وادي بني غافر يتميز بمسافته الأقصر وانسيابيته النسبية، مما يجعله المفضل لحركة الشاحنات القادمة من المنافذ الحدودية أو تلك المتجهة إلى موانئ الباطنة والعاصمة مسقط.

في مساء يوم الإثنين الموافق 10 يونيو 2025، وهو آخر يوم في إجازة عيد الأضحى، تحوَّل الطريق إلى ساحة ازدحام خانق. وتدفقت عبره آلاف المركبات العائدة من محافظة الظاهرة باتجاه محافظة مسقط، تزامنًا مع حركة كثيفة للشاحنات القادمة من منفذ حفيت الحدودي مع الإمارات العربية المتحدة ومنفذ الربع الخالي مع المملكة العربية السعودية. وزادت الأمور تعقيدًا مع هطول أمطار غزيرة في ولاية الرستاق، ما أدى إلى تباطؤ شديد في الحركة المرورية على الطريق الذي يفتقر إلى وسائل الحماية الأساسية.

هذا الاختناق المروري لم يكن حادثًا استثنائيًا يحدث للمرة الأولى، وإنما سبقته أربع حوادث مرورية مميتة خلال الأسبوع الأخير قبل العيد مباشرة. ووثّقت تقارير محلية تصادم مباشر بمركبات خفيفة، ووفاة أكثر من 6 أشخاص في مناطق متفرقة على نفس الطريق، منها حوادث في المنعطفات الضيقة والانحدارات التي تفتقر لأي نوع من الرؤية الواضحة بسبب الجبال والزوايا الحادة نوعًا ما.

هذه الحوادث، وإن لم تحظَ بتغطية إعلامية كبيرة، إلّا أنها تكرّرت بما يكفي لتُصبح جرس إنذار واضحًا.

الإحصائيات كذلك تدعم هذا القلق المتزايد؛ ففي تقرير نشرته جريدة الرؤية في عام 2020، تبين أن 347 شاحنة أغذية تم فحصها في منفذ حفيت خلال أول 15 يومًا من أبريل وحده، أي بمعدل يزيد عن 23 شاحنة يوميًا. هذا الرقم لا يشمل الشاحنات التجارية والصناعية. أما منفذ الربع الخالي، فقد أُعلن رسميًا أن طاقته القصوى تصل إلى 966 شاحنة يوميًا، معظمها تتخذ وادي بني غافر مسارًا نحو محافظة الباطنة ومحافظة مسقط. هذا يعني أن الطريق الجبلي الضيق يُستخدم يوميًا كـ"معبر اقتصادي رئيسي" دون أن يتمتع ببنية تحتية تناسب حجمه الفعلي.

ومن زاوية تخطيط النقل، يُصنف هذا الوضع تحت ما يُعرف بـ"نقطة الضغط المتراكب (Cumulative Load Point)؛ حيث تتقاطع ثلاثة أنواع من الضغط في نقطة واحدة: الضغط البشري (عودة الموظفين والعائلات)، الضغط التجاري (حركة الشاحنات)، والضغط الطبيعي (الأمطار والتقلبات الجوية). حين تجتمع هذه العناصر في مسار واحد ضيق ومفرد، تصبح احتمالية وقوع الكوارث كبيرة جدًا والازدحام المروري يصيح عائق حقيقي لكل المستخدمين عموما.

في ظل هذا الواقع، فإن ازدواجية طريق وادي بني غافر لم تعد ترفًا أو مطلبًا محليًا محدودًا.. إنها ضرورة وطنية، واستراتيجية تمس سلامة المواطنين، وفعالية الاقتصاد، وقدرة الدولة على مواجهة التغيرات المناخية والطوارئ اللوجستية. ويجب أن تتضمن خطة الازدواجية التالي؛ حيث يتم تحويل الطريق إلى مسارين منفصلين كل مسار لا يقل عن حارتين وبمواصفات الطرق السريعة وتوفير مواقف جانبية للشاحنات ومواقع للطوارئ وتركيب شبكة إنارة ذكية وتنفيذ أنظمة تصريف فعّالة لمياه الأمطار ومجاري الأودية الرئيسية وإذا أمكن إدخال أجهزة استشعار وإنذار مبكر للسيول والانزلاقات ويُستحسن كذلك أن يُربط هذا المشروع برؤية "عُمان 2040"، تحت محور تعزيز البنية اللوجستية وتكامل البنى بين المحافظات، خاصة أنه يخدم بشكل مباشر المنافذ الحدودية والموانئ البحرية.

إن هذه الأحداث المتكررة في شارع وادي بني غافر من حوادث مرورية قاتلة وازدحام مروري، هو اختبار واقعي لكفاءة طريق يعاني من غياب الصيانة، رغم أنه أصبح حلقة وصل مركزية في الاقتصاد الوطني والتنقل الاجتماعي، وإن لم نتحرك الآن؛ فسنظل نُعيد نفس الحديث مع كل موسم ممطر أو عودة الموظفين بعد الإجازات الرسمية، ومع كل ازدحام موسمي، وكل حادث مُميت.

** باحث دكتوراه في فلسفة الادارة والقيادة

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة