حيدر بن عبدالرضا اللواتي
أصدرت المحاكم الخليجية خلال السنوات الماضية عدة أحكام على عدد من الأشخاص الذين أجرموا بممارسة عمليات غسيل الأموال في قضايا مختلفة مخالفة للتشريعات والأحكام والقوانين المعمول بها في تلك الدول، بجانب انخراطهم في قضايا الكسب غير المشروع من عمليات تجارية واستثمارية مخالفة لتلك القوانين.
وقبل مدة أدانت محكمة دائرة الجنايات الرابعة بإمارة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة أحد رجال الأعمال الكبار من الهند باسم «ب، س، س» والمعروف أيضًا باسم «بو صباح»، حيث قضت المحكمة بسجنه خمس سنوات بسبب ارتكابه جريمة غسل الأموال من خلال جماعة إجرامية، وتغريمه 500 ألف درهم ومصادرة 150 مليون درهم، وإبعاده عن البلاد بعد قضاء العقوبة. كما أُدين معه عدد من الأشخاص الآخرين من بينهم ابنه وعدد 32 متهمًا آخرين. وهذه القضية التي أُحيلت إلى النيابة العامة بتاريخ 18 ديسمبر من العام الماضي تم الحكم فيها بسرعة ولم تأخذ وقتًا كبيرًا في التداولات بين القضاة والمحاكم، ليصدر الحكم في أقل من ستة أشهر فقط. وبجانب ذلك صادرت المحكمة الأجهزة الإلكترونية والهواتف والأوراق المضبوطة ضمن القضية لمتابعتها من كل النواحي، خاصة وأن المنطقة الخليجية أصبحت عرضة لمثل هؤلاء التجار المتلاعبين والممارسين لهذه العمليات والذين تم اتهامهم جميعاً بتأسيس وتشغيل شبكة لغسل الأموال عبر شركات وهمية وتحويلات مصرفية مشبوهة، وجرى ضبطهم بعد تحقيقات موسعة شملت بيانات مالية وشراكات تجارية مع كيانات داخل وخارج الإمارات. كما جرى إدانة بعض المتهمين الآخرين في هذه القضية غيابيًا، بجانب المتهمين الحاضرين حيث تم تغريم بعضهم بمبلغ 50 مليون درهم ومصادرة الأموال التي يملكها المتهمون محل الجريمة وقدرها 150 مليون درهم. وعلى المستوى المحلي، فقد حكمت بعض المحاكم العمانية مؤخرا على عصابة من إحدى الدول العربية انخرطت في عمليات غسل الاموال والدعارة وإجراء معاملات غير قانونية.
إن عمليات غسل الأموال في أية دول تمثّل تحديًا كبيرًا بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي التي أصبحت مخترقة من بعض التجار والمتلاعبين في القوانين المحلية، بحيث تزداد هذه المخاوف من أن تكون بعض الأنشطة الاقتصادية والتجارية في المنطقة تستغل الثغرات القانونية أو التنظيمية للقيام بعمليات غسل الأموال.
كما أن دول المجلس تتميز بنظام مصرفي قوي وتدفقات وتحويلات مالية كبيرة خاصة للعمالة الوافدة التي يتم استغلال بعضهم في عمليات غسل الأموال، إلا أن جهود مكافحة غسلها في دول الخليج مستمرة للقبض على الجناة ومرتكبي مثل هذه العمليات المخلة للقوانين والتشريعات.
هناك اليوم أنواع عديدة من الجرائم التي ترتكب في عمليات غسل الاموال بدول مجلس التعاون الخليجي الست من واقع التقارير الدولية والمحلية، وتُعد بعضها خطيرة، حيث تتصل عادة بجرائم أصلية، وهي الجرائم التي تُولِّد الأموال غير المشروعة التي يتم لاحقًا "غسلها". وهذه تشمل الجرائم الاقتصادية والمالية، والاحتيال المالي والمصرفي مثل التلاعب بالأسهم، والاحتيال في القروض، بالإضافة إلى الفساد والرشوة أي قبول أو تقديم رشاوى في القطاعين العام والخاص، بجانب التهرب الضريبي، الأمر الذي يعزز من عمليات رقابة الجهات المعنية في تطبيق اتفاقيات الإفصاح الدولي. كما تشهد المنطقة جرائم الاختلاس من الأموال العامة أو الخاصة بالاضافة إلى جرائم تجارة المخدرات، حيث تعتبر من أبرز مصادر الأموال غير المشروعة التي تُغسل لاحقًا، رغم أن معدلاتها منخفضة نسبيًا مقارنة بدول أخرى. وهناك أيضا الجرائم المنظمة والعابرة للحدود التي تتعلق بالاتجار بالبشر أو العمالة غير القانونية، وتهريب السلع المحظورة كالأسلحة أو الممنوعات، بجانب القرصنة الإلكترونية وجرائم الإنترنت مثل الاحتيال عبر الإنترنت وسرقة البيانات البنكية، وأخيرًا عمليات تمويل الإرهاب أخطر أشكال غسل الأموال، حيث تولي دول الخليج اهتمامًا خاصًا لمراقبته وضبطه، خصوصًا تحت ضغوط دولية وتشريعات فرقة العمل المالي "فاتف" (FATF). كما إن هناك علميات استخدام العقارات والشركات الوهمية من خلال طرح لاستثمار في العقارات الفاخرة أو تأسيس شركات وهمية لغسل الأموال الناتجة من مصادر غير مشروعة. ويتم غسل الأموال أحيانا عبر شركات صرافة وتحويل أموال، واستخدام حسابات بنكية متعددة لتحويل الأموال بشكل "مُجزَّأ" لتفادي الكشف، كما يتم أحيانًا فتح حسابات باسم وافدين أو شركات وهمية لاستقبال تحويلات من مصادر مشبوهة؛ الأمر الذي يتطلب تعزيز الرقابة على مثل هذه الشخصيات التي تتلاعب بالأموال بصور غير مشروعة.
وأخيرًا يا ترى كم من التجار والمستثمرين القادمين من الخارج يعملون في المجالات التجارية والغذائية وغيرها ولديهم شركات، وفي نفس الوقت يستغلون فئات العمالة الوافدة الرخيصة في أعمالهم اليومية؟ ألا يمكن فتح ملفاتهم لمعرفة قيمة التحويلات المالية السنوية التي يحققونها؟