سالم بن نجيم البادي
طفلي الحبيب عبدالملك أراك فتبتهج كل جوارحي ويغني قلبي مواويل الفرح ويخيل إليَّ أنني عدت طفلا أرى طفولتي فيك، فيعود بي الزمن وأعيش معك عالم الطفولة، هاربًا من واقع أيامي الجاثم على صدري حد الاختناق، لكنني لا أستطيع مجاراتك في البراءة وحسن الطوية وأحلامك الصغيرة وخيالك الشاسع.
أنت في طهر الغمام وبراءة العصافير الصغيرة التي تزقزق في الصباح وتعود في المساء لتنام وتحلم أحلاماً سعيدة وأن الأمطار هطلت والأزهار تفتحت والثمار نضجت والشمس أشرقت للتو وأن ينابيع الماء الصافي في السواقي لها خرير يأتيك صوته وأنت نائم في فراشك وكأنك ملاك هادئ هدوءًا يثير الريبة اقترب منك وأضع يدي بجنب قلبك. ثم أدنو منك قليلاً حتى لا أزعجك رغم رغبتي الجامحة في أن تستيقظ من نومك ثم نذهب إلى المدرسة أقود سيارتي واسترق النظر إليك وأنت تغالب النوم وجهك الصغير يزداد وسامة ومنظرك يدهشني وأنظر إليك نظرات حانية وضاحكة وأنت نائم وتهتز يمينا وشمالا في الطريق غير المعبد وتغضب إن أخبرتك بأنك كنت نائما طول الطريق وتنكر ذلك.
كم أحبك بريئًا وطيبًا وأحب وجهك الذي تكسوه الطفولة وجسدك الضئيل وتبدو حزيناً بعد كل تلك المعارك التي تخوضها مع إخوانك وفي كل الأحوال تدعي أنك المظلوم ثم تدخل في مشاكسات لا تنتهي مع أمك، وتُصر على تناول الطعام غير الصحي الشبس والمشروبات الغازية والعصائر المحلاة والإندومي وحلويات الأطفال وتعزف عن تناول طعام البيت وتهوى شراء ساعات الأطفال والدراجات الهوائية الصغيرة التي ما تلبث أن تتعطل وتصر على إصلاحها في كل مرة وتقضي وقتا طويلا تتصفح الآيباد الذي تنكسر شاشته كثيرا ثم تتوالى عليه الأعطال لسوء الاستخدام.
ومع إصرارك أقف عاجزًا وتوسلاتك المتكررة تجعلني استسلم وأدرك أنك سوف تتوقف ذات يوم عن فعل ما يضرك. وعندما تعود من المدرسة تتحدث عن تنمُّر بعض زملائك وزميلاتك عليك، لا أدري ما هي نسبة الصدق في حديثك ذلك، ولكنني لا استبعد أن يتنمروا عليك، فأنت طيب أكثر مما ينبغي، وجسدك ضئيل وجهك مسرف في البراءة، وحين نصحتك بألا تكن فريسة سهلة للمُتنمِّرين، لم أكن أقصد أن تأخذ حقك بيدك، ولا أن تنتقم لنفسك، ولكن اذهب لمعلمتك الأثيرة- إن وجدت- وإن لم توجد فاللجوء إلى الأخصائية الاجتماعية، وإن لم تجد العون والنصرة معها؛ فعليك بنائبة المديرة ثم المديرة.
لقد أخبرتني بأنهن لا يصدقنك وأنهن قد يلقين باللوم عليك أو أن يتساوى عندهن المُتنمِّر والمُتنمَّر عليه، ومرة أخرى لا أعلم إن كان حديثك هذا صادقاً أم أنه مجرد وهم وتخيل منك.
وفي كل الأحوال أحسن الظن بالمعلمات وأجد لهن الأعذار وهنَّ يقمن بالتعامل مع تلك الأعداد الغفيرة من الطلبة، ولكنني أعلم أيضا أن هذا قد يحدث أحيانا بقصد أو بغير قصد، ولا أقول لك كن مظلوما ولا تكن ظالما؛ بل لا تكن ظالما ولا مظلوما وكن واثقا من نفسك والثقة هي جدار متين ضد كل من يُحاول الاستهانة بك.
كُن هادئًا ومُسامحًا وحليمًا وقويًا، ولا تظهر ضعفك أمام الآخرين وكن أنت كما أنت راضياً بنفسك إن حب الذات والاعتزاز بها طريقك إلى كسب احترام الناس من حولك وإن أخفقت أحيانا أو لم تحقق ما كنت تأمله فلا تذهب نفسك حسرات كم يؤلمني أن تعود إلى البيت محبطاً لأن زميلك تم الاحتفاء به وأنت لم تحظ بالاحتفاء مثله يا بني. الناس قدرات متفاوتة والفروق الفردية بينهم مختلفة وهذا لا يعني أن ترضى بواقعك ولا تحاول تغييره ابذل جهدك وحاول ولا تيأس.
وحين تلاحقك الواجبات المنزلية طوال فترة وجودك في البيت أشفق عليك، ولتعذرني كذلك يا صغيري لأنك تستيقظ بعد صلاة الفجر وتعود بعد الساعة الثانية ظهراً أعلم أن وقت الدوام هذا طويل جدا ومرهق جدا.
وأعاتب بعض معلماتك على تلك العبارات التي يكتبنها في التقارير الوصفية لأدائك في التحصيل العلمي وما ضرهن لو كتبن عبارات أكثر لطفا ورقة تهطل على قلبك كالغيث وتمنحك حافزا لا ينسى وفرحا تحمله إلى أمك، عوضا عن تلك العبارات الجافة الجاهزة. نعم ينبغي أن يتم وصف أدائك كما هو لكن بأسلوب رحيم، واللغة العربية ثرية وحافلة بالكلمات التي تُلمح ولا تُصرِّح وتفتح أبوابًا للأمل ولا تغلق سبل الرجاء.
وكنت أرجو من المعلمة وهي لا شك أنها تعلم ما يجب عليها القيام به أن تقدم الخطط العلاجية وتذكر الأعمال التي اتخذتها لمساعدتك حتى تتغلب على الصعوبات التي قد تعترض طريقك، قبل أن تلومك أنت وولي أمرك ولتكن مثل الطبيب الذي يشخص المرض أولا ليعرف الأسباب والأعراض ثم يصف الدواء.
وكنت أتمنى ألا تأخذ حركاتك ومشاكساتك وتصرفاتك الطفولية على محمل الجد وأنت في عامك الدراسي الثالث وكان حريا بها أن تحتويك وأن تعالج الإشكاليات التي تخصك وحدها دون أن ترسلك إلى الأخصائية وأن تمنحك فيضا من الحنان والعطف والنصائح الرقيقة المغلفة بالحب وربما هي لا تعرف أن معدنك طيب وروحك بالغة الشفافية وأن الكلمة الحلوة لها مفعول السحر لديك وأنها تجعلك كائنا وديعا وتفعل بك ما لا تفعله قسوة القول والفعل.
لا بأس عليك يا عبد الملك، أنا أحبك كما أنت وبكل شقاوتك وأخطائك وإخفاقك ونجاحك عش طفولتك كما تشاء.
أحبك يا صغيري..
والدُك.