د. أحمد بن علي العمري
رؤية سلطنة عُمان 2040 هي حلمٌ وأمنيةٌ وطموحٌ وأملٌ ومُبتغى وهدفٌ وغايةٌ لكلِّ عُمانيٍّ على هذه الأرض الطيبة المُباركة. وقد بذلت من أجلها الحكومةُ كلَّ الجهودِ وسخَّرت لها جميع الإمكانيات لإخراجها إلى حيِّز الوجود، بل لقد مرت على جميع محافظات السلطنة دون استثناء، مما يعني أنها أخذت حقها الكامل في تفادي جميع النتوءات والسلبيات وسدِّ جميع الثغرات أينما وجدت، هذا بالإضافة إلى عرضها على مجلس عُمان بشقيه: الدولة والشورى.
ومن رحمة القدر ولطف رب العالمين على عُمان وأهلها أن يكون ربانها وعرّابها منذ البداية، ومن موقعه السابق، مولانا حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - وهي راسخةٌ في فكره، وقلمٌ بيده، ومنهاجٌ في نظرته.
إنها خطة استراتيجية طويلة الأمد، أطلقتها عُمان في عام 2020 لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، وتعزيز الاقتصاد، ورفع جودة الحياة لعُمان وأهلها والمُقيمين على أرضها، ومن يقصدها للاستثمار، وذلك حتى تتكامل بحلول عام 2040. وهي تعتمد على الابتكار والتنويع الاقتصادي والثبات، والسير بخطى واثقة مُحددة المعالم، مع الحفاظ على الهوية العُمانية الثابتة والقيم الوطنية الأصيلة.
وأبرز محاورها هي: التنويع الاقتصادي، والتعليم والمهارات، والصحة والرفاه الاجتماعي، والاستدامة البيئية، والحوكمة والتحول الرقمي، والمجتمع وهويته الوطنية.
وبالتأكيد هناك تحديات، من أهمها: تقلبات أسواق النفط عالميًا، والمنافسة الإقليمية، خاصة في مجالات مثل السياحة واللوجستيات، والحاجة إلى تطوير البنية التحتية الرقمية.
وفي المُقابل هناك فرص وهِبات ربانية، مثل: موقع عُمان الاستراتيجي بين آسيا وأفريقيا وأوروبا، وهي أول بلد تشرق عليه الشمس في الوطن العربي، وتضاريس طبيعية متنوعة: بحار، وشواطئ، وجبال، وصحاري، ومجتمع شاب وطموح، قادر على قيادة التحول، والتضحية، وبذل الوقت والجهد والمثابرة.
وعليه، فإنَّ الرؤية تسعى إلى جعل السلطنة مركزًا اقتصاديًا وتكنولوجيًا إقليميًا وربما عالميًا، مع الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي وبيئتها الطبيعية، يعتمد نجاحها على التخطيط الاستراتيجي السليم والتعاون المُستمر بين القطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى المشاركة الفاعلة من المواطنين.
لقد كانت هناك رؤية سابقة وهي "عُمان 2020"، لم تؤتِ أُكلها ولم تكتمل جميع أركانها حسب ما كان مخططاً لها أو مرادٌ منها، ولهذا يجب أن نحرص جميعًا على إنجاح الرؤية الحالية بكل تفاصيلها، لتحقيق ما أراده مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه.
صحيحٌ أن الرؤية شاملةٌ وعامةٌ لجميع مناحي الحياة وشتى تفاصيلها، ومع ذلك نلاحظ بين الحين والآخر أن هناك من يصرح بأنَّ هذا وذاك يتماشى مع رؤية عُمان 2040، على الرغم من أن الفعاليات أحيانًا لا تكون لها صلةٌ مباشرةٌ بالرؤية، لكنها أصبحت ثابتةً على لسان كل من يتحدث أو يصرح، وأخشى أن يؤثر ذلك على جوهر الرؤية ويضعف من تركيزها ومضمون أهدافها. لذا، أرجو ألّا نحمل الرؤية فوق طاقتها، وألّا نجعلها شماعةً نغطي بها أي ثغرات أو نسد بها أي هفوات أو فجوات، ولهذا فلابد لكل من يربط فعاليته بالرؤية أن يذكر هذا الربط بوضوح أمام الرأي العام، بحيث يُحدّد المحور من الرؤية وحتى أي بندٍ من هذا المحور.
لذا، فإنني أدعو؛ بل وأرجو أن تُقيَّم، وتُمحَّص، وتُفحص، وتُراجع بشكل دقيق، إن لم يكن كل 6 أشهر، فعلى الأقل كل عام، ثم بعد ذلك كل 5 أعوام. وها نحن في العام الخامس منها، حتى نتمكن من الوقوف على الوضع الحقيقي من برنامج الرؤية، ومعرفة أين وصلنا، والتدارك لأي نقص أو انحرافٍ عن خطاها.
صحيحٌ أن هناك وحدة متابعة تنفيذ الرؤية، التي نقدم لها وللعاملين بها كل الشكر والاحترام على جهودهم، ولكن يتوجب أن تكون المراجعةُ شاملةً، ولجميع القطاعات، كلٌّ فيما يخصه، ولجميع محاور الرؤية وأهدافها، بشكلٍ مُفصَّلٍ ودقيقٍ وواضحٍ وصريح.
وللتأكيد والاطمئنان، يمكننا النظر إلى تجارب الدول المشابهة لنا في برامجها الاستراتيجية، للاستفادة من تجاربها، وأخذ الإيجابيات، وتفادي السلبيات. وعلى سبيل المثال، وليس الحصر، تجربة الشقيقة المملكة العربية السعودية، فقد نشرت مؤخرًا تقريرًا عن رؤيتها 2030، قطعت فيه ثلثيها خلال 9 سنوات، وأنجزت 85% من مبادراتها، حيث كانت قصة صعودٍ من عام 2016 حتى عام 2024. وقد نما لديها الاقتصاد غير النفطي بشكلٍ واضح، وتم تحقيق 674 مبادرة من أصل 1502، وهي تجربة جديرةٌ بالاطلاع عليها لمعرفة أسباب ومبررات النجاح.
حفظ الله عُمان وسلطانها وشعبها.