مسؤولون: محمية المتنزه الوطني الطبيعي بمسندم نموذج للتوازن البيئي بين اليابسة والبحر

 

الرؤية- ريم الحامدية

قال عددٌ من المسؤولين في هيئة البيئة إنَّ محمية المتنزه الوطني الطبيعي بمحافظة مسندم تُعتبر واحدة من أبرز المحميات الطبيعية في سلطنة عُمان؛ والتي تأسست في يونيو 2022 بموجب المرسوم السلطاني رقم (54/ 2022)، وتمتد على مساحة تقدر بـ1149.40 كيلومتر مربع.

وأضافوا - في تصريحات لـ"الرؤية"- أن التنوع البيئي الفريد جعل من المحمية موطنًا طبيعيًا لأكثر من 200 نوع من النباتات البرية، والعديد من الكائنات البرية والبحرية، أبرزها الثدييات البحرية مثل الدلافين والحيتان، والسلاحف البحرية، والشعاب المرجانية، والأسماك، والطيور البحرية، لافتين إلى أنَّ المحمية لها أهمية علمية وبيئية كبيرة لكونها منطقة غنية بالأنواع النادرة والمستوطنة، وتشكّل نموذجًا حقيقيًا للتوازن البيئي بين اليابسة والبحر.

وتقع المحمية في أقصى شمال السلطنة، مطلة على مضيق هرمز، وتضم ضمن نطاقها تسع جزر بحرية، إضافة إلى السواحل والخلجان والمياه الضحلة والبيئات الجبلية الوعرة.

وأشار هيثم بن سليمان بن حميد الرواحي رئيس قسم استثمار المحميات الطبيعية، إلى أنَّ المحمية أُنشئت بهدف حماية التنوع الأحيائي الغني الذي تتميز به محافظة مسندم، والحفاظ على النظم البيئية البحرية والبرية، وتعزيز الاستدامة البيئية، إلى جانب حماية الأنواع المهددة بالانقراض والمحافظة على بيئاتها الطبيعية من تأثير الأنشطة البشرية.

هيثم بن سليمان بن حميد الرواحي رئيس قسم استثمار المحميات الطبيعية.jpg
 

وأضاف أن من بين أهداف إنشاء المحمية دعم البحوث العلمية والدراسات البيئية لدورها في تعزيز السياحة البيئية المستدامة والشراكة مع المجتمع المحلي في تفعيل برامج الصون والحماية، مبينا أنَّه على الرغم من حداثة إنشاء المحمية، إلّا أن هناك جهودًا واضحة بدأت في تحقيق هذه الأهداف من خلال تنفيذ برامج الرصد، وحماية الأنواع، وحملات التوعية، وتنظيم الأنشطة السياحية بما يضمن سلامة البيئة.

وقال إنه بعد صدور مرسوم إنشاء المحمية اتخذت هيئة البيئة جملة من الإجراءات والتدابير التي تم تنفيذها للحفاظ على مفرداتها، مثل تحديد المناطق ذات الحساسية العالية والتي يُقنّن فيها ممارسة بعض الأنشطة مثل الصيد أو الأنشطة البشرية المؤثرة، وتنظيم الأنشطة السياحية بما يضمن عدم الإضرار بالنظم البيئية، وتنظيم برامج التوعية البيئية لزوار المحمية والسكان المحليين، وتطبيق القوانين واللوائح المنظمة للمحمية بالتعاون مع الجهات الأمنية المختصة.

وأضاف الرواحي: "فيما يتعلق بالثدييات البحرية، فمياه مسندم تميزت بوفرة وتنوع هذه الكائنات، ومن أبرز الأنواع التي تم رصدها: دولفين المحيط الهندي الأحدب، دولفين سبينر الدوار، الدولفين العادي ذو المنقار الطويل والبقع الصفراء، حوت برايدس، والحوت القاتل المزيف، وبفضل طبيعة المنطقة وهدوئها النسبي، فإن الوضع البيئي لهذه الأنواع مستقر إلى حد كبير، مع وجود تحديات تتعلق ببعض الأنشطة البشرية مثل الصيد غير المنظم أو الإزعاج البحري الناتج عن حركة القوارب".

ولفت إلى أن أبرز التحديات التي قد تواجه الثدييات البحرية هي التعرض للتصادم مع القوارب، والتلوث البحري أو وجود مخلفات بلاستيكية أو التأثر بالإزعاج الناتج من محركات قوارب الصيد أو سفن النقل أو السفن السياحية أو من المناورات العسكرية في المنطقة، مؤكد أن الجهات المعنية تتعامل مع هذه التحديات من خلال برامج رصد مستمرة، وحملات توعية للصيادين وزوار البحر، ووضع قوانين لحماية البيئة البحرية، والتنسيق مع المجتمع المحلي ليكون جزءًا من جهود الحماية.

وتابع الرواحي قائلا: "هناك برامج للرصد والمتابعة العلمية للثدييات البحرية في المحمية، منها مشروع مسح أنواع الثدييات البحرية في البحار المحاذية لحدود المحمية خلال الفترة (2023-2025) بمنهجية علمية متخصصة لرصد الثدييات البحرية وبكوادر عُمانية من مختصي هيئة البيئة، وبالتعاون مع مختصين من وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه ووزارة التراث والسياحة ومجلس الشورى، وأيضًا توجد برامج رقابة دورية يقوم بها المختصون بإدارة البيئة بمحافظة مسندم".

وأوضح: "من أبرز نتائج هذا المشروع: توثيق عدة أنواع الحيتان والدلافين في مياه المحمية، رصد أنماط الهجرة الموسمية لبعض الأنواع، وتحديد المناطق الحيوية التي تستخدمها هذه الكائنات في التغذية أو التكاثر، وهذه البيانات تساهم في تعزيز فهمنا للثدييات البحرية، وتساعد في وضع خطط فعّالة لحمايتها".

من جهتها، قالت المهندسة عايدة بن خلف الجابرية أخصائية نظم بيئية، أن الرسالة الأولى والركيزة الرئيسية لإنشاء المحمية هي حماية الموائل والنظم الإيكولوجية الموجودة فيها وما تحويه من مفردات طبيعية ذات قيمة تراثية وثقافية غير مادية، في حين يشكل الجانب الاستثماري نشاطًا ثانويًا تسعى الهيئة من خلاله لتحقيق عوائد مالية واقتصادية يمكن استخدامها في تطوير وتحسين البنية التحتية الموجودة بالمحمية، بالإضافة لتحسين نمط حياة المجتمع المحلي الموجود فيها بما لا يؤثر على التوازن بين الحفاظ على البيئة على وجه العموم والبيئات البحرية على وجه الخصوص واستثمارها سياحيًا، تحقيقًا للبرنامج الاستراتيجي الذي نصّت عليه رؤية عُمان 2040 والمعني بتحقيق التوازن بين المتطلبات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وبما يكفل استدامة الموارد الطبيعية.

المهندسة عايدة بن خلف الجابرية أخصائية نظم بيئية.jpg
 

وبيّنت: "تعتبر الوسيلة الوحيدة لتحقيق ذلك من خلال تبني مفهوم (السياحة البيئية المستدامة) الذي يركز على ثلاثة عناصر تشمل: تنظيم الأنشطة السياحية داخل المحمية، وتحديد مناطق مخصصة للزيارة دون التأثير على البيئات الحساسة، بالإضافة لتشجيع السياحة المسؤولة والواعية بيئيًا، وهناك بالفعل توجه لتطوير مشاريع سياحية بيئية، حيث قامت الهيئة بطرح حزمة استثمارية في المحمية خلال العام المنصرم شملت عددًا من الأنشطة مثل نشاط الجولات البحرية لمشاهدة تضاريس المحمية والكائنات البحرية واستكشاف الشعاب المرجانية، بالإضافة لنشاط قوارب التجديف (الكاياك) وغيرها من الأنشطة التي تلبي تطلعات زوار المحمية، مع ضمان عدم الإضرار بالبيئة البحرية".

وأكدت الجابرية أن المجتمع المحلي يعد شريكًا أساسيًا في جهود حماية المحمية، وهناك عدة مبادرات قائمة في هذا الجانب، منها حملات التوعية للصيادين والشركات السياحية بأهمية حماية الثدييات البحرية، برامج تطوعية للمشاركة في تنظيف الشواطئ والجزر والشعاب المرجانية، إشراك المدارس والطلبة في فعاليات بيئية، وتشجيع أبناء المجتمع على العمل في السياحة البيئية لتكون مصدر دخل معزز للحفاظ على البيئة، بالإضافة إلى نشر رقم مخصص للإبلاغ عن مشاهدات الثدييات البحرية ومواقع تواجدها للصيادين والشركات السياحية.

وأشارت إلى أنه في ظل التغيرات المناخية والضغوط البيئية، فإن محمية المتنزه الوطني الطبيعي بمسندم كغيرها من المحميات الطبيعية في سلطنة عُمان تشكل أيقونة وطنية بما تضمه من بيئات متنوعة وكائنات برية وبحرية، وبالتالي فإن الرؤية المستقبلية لها تتلخص في جعل المحمية نموذجًا وطنيًا رائدًا للاستدامة البيئية، بحيث تشمل هذه الرؤية الصون المستدام لموارد المحمية الطبيعية والاستفادة منها بشكل يضمن استدامتها للأجيال القادمة، وتعزيز برامج البحث العلمي فيها من خلال الشراكة والتعاون الدولي مع الخبراء والمؤسسات البيئية العاملة في هذا القطاع، علاوة على إشراك المجتمع المحلي بصورة أكبر في كافة مناشط وفعاليات المحمية، مع تطوير البنية التحتية للسياحة البيئية فيها وفق ممارسات محكمة ومجربة على مستوى العالم، وهذه الرؤية لا تتم بمعزل عن برامج رفع مستوى التوعية البيئية لضمان استدامة الموارد الطبيعية للأجيال القادمة.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة