صدمة الخوير وبوشر!

 

مدرين المكتومية

صُدمت بينما كنتُ أقفٌ أمام إحدى أرقى وأفخم البنايات في منطقة بوشر وتحديدًا في حي الخوير؛ إذ وجدتُ صهريجًا كبيرًا لشاحنة نقل مياه المجاري، تقف أسفل البناية بينما تتصاعد منها رائحة كريهة لأبعد الحدود وضوضاء مُزعجة، ليتضح أنَّ هذا المشهد يتكرر يوميًا أمام جميع منازل وبنايات الكثير من الأحياء في مسقط، وليس بوشر أو الخوير وحدهما، في صورة غير لائقة حضاريًا ولا تليق بما وصلنا إليه من تقدم وازدهار؛ الأمر الذي قادني إلى سؤال بسيط: لماذا إلى الآن لم نستطع إنجاز شبكة الصرف الصحي على الأقل في العاصمة مسقط؟ ولن أتحدث عن بقية المحافظات!!

هذا سؤال يدفعنا نحو مجموعة من الأسئلة الأخرى عن أسباب تعثر وتأخر العديد من المشاريع، سواء في البنية الأساسية والخدمية أو غيرها، ما يتسبب في خسائر وأضرار على المستويات كافةً. ومن المُفاجئ والغريب- في آنٍ واحد- أن نجد مدينة مثل مسقط العامرة، وهي واحدة من أجمل مدن وعواصم العالم وحازت على العديد من الألقاب والتصنيفات المرموقة، نجدها غير مكتملة الخدمات، ما يؤكد أننا بحاجة لإعادة النظر في طبيعة المشروعات التي يجري تنفيذها على أرض الواقع، وإيلاء مثل هذه المشاريع الأولوية القصوى، لما لها من دور في الحد من الإضرار بالبيئة وتعزيز الاقتصاد الدائري، فضلًا عن تحسين المظهر الحضاري.

ومشروع الصرف الصحي واحدٌ من المشاريع الحيوية التي وضعتها الحكومة من أجل تحسين جودة الحياة وتعزيز البنية الأساسية في البلاد، لكن التأخيرات التي يُعاني منها المشروع على مدى السنوات الماضية، تكشف عن تحديات يجب مُعالجتها في أسرع وقت، لا سيما بعد أن انتهينا من خطة التوازن المالي، وبدأنا برامج الاستدامة المالية، ولا شك أنَّ تنفيذ مثل هذا المشروع سيدعم الاستدامة المالية، لأنه سيُقلل الإنفاق على جوانب أخرى تستنزف الميزانية العامة للدولة.

وعندما بحثت في الأمر، علمتُ أن التحديات المالية كانت بمثابة حجر العثرة في وجه المشروع، حيث إن نقص التمويل وإعادة تخصيص الموارد المالية لمشاريع أخرى كانت من بين الأسباب الرئيسية لتوقف المشروع. علاوة على تحديات إدارية وتنظيمية يبدو أنها تتزايد بين عدد من الجهات المعنية. مصادر تحدثتُ إليها أخبرتني كذلك بأن هناك تحديات فنية تتعلق بطبيعة التضاريس والتربة العمانية التي في معظمها تتألف من طبقات صخرية شديدة الصلابة.

الغريب في الأمر أنه رغم التوسع العمراني والنمو السكاني المتزايد، لا سيما في مسقط، إلّا أن الجهات المعنية لم تضع هذا المشروع على قائمة الأولويات، حتى ولو كان يتكلف مئات الملايين، ففي النهاية هي خدمة تُقدَّم للمواطن وينتفع بها هو وأولاده؛ بل وأحفاده؛ حيث من المعلوم أن مشاريع البنية الأساسية تمتد لعقود طويلة، وفي بعض الدول التي زُرتها، اكتشفت أن شبكات الصرف الصحي فيها تعود إلى القرن الماضي، بل بعضها- مثل أوروبا- يعود إلى قرون سابقة!!

ورغم هذه التحديات، إلّا أنني أعلم يقينًا أن مشروع الصرف الصحي يحمل أهمية كبيرة لوطننا؛ إذ من شأن تنفيذ المشروع أن يدعم تطور البنية الأساسية، ويُسهم في تحسين شبكات الصرف الصحي، مما يعزز من كفاءة الخدمات العامة، علاوة على دوره في تعزيز الاقتصاد الدائري؛ حيث يُمكن إعادة استخدام المياه المعالجة في الزراعة والصناعة، مما يقلل من استهلاك الموارد الطبيعية، كما يُسهم المشروع في تطوير المظهر الحضاري، من خلال تحسين النظافة العامة وتقليل التلوث، وهو ما سيعكس صورة إيجابية عن كل مدينة وحي.

كُلي أمل ورجاء من الجهات المعنية في حكومتنا الرشيدة والهيئات المسؤولة عن الخدمات العامة والشركات المُنفذة للمشروع، أن تتكاتف الجهود من أجل توفير التمويل اللازم وتفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص في هذا الجانب، علاوة على تعزيز الكفاءة الإدارية والتنظيمية لضمان تنفيذ المشروع في الوقت المحدد، واستخدام تقنيات حديثة ومستدامة لتقليل التكاليف وزيادة الفعالية.

وأخيرًا.. إنَّ مشروع الصرف الصحي ليس مجرد استثمار في البنية الأساسية وتوفير الخدمات العامة للسكان؛ بل إنه استثمار في مستقبل وطننا العزيز وتحقيق رفاهية سكانها، من أجل أن تكون عُمان أكثر استدامة وتطورًا.

الأكثر قراءة