رمضان يجمعنا (9- 15)

من عُمان إلى المغرب: رمضان ذكرى لا تُنسى

 

 

 

 

حمود بن علي الطوقي

 

لرمضان في المغرب نكهة خاصة تجمع بين الروحانية العميقة والعادات العريقة التي تضفي على الشهر الكريم أجواءً فريدة لا تُنسى. عندما حللتُ في المغرب للدراسة بين عامي 1989 - 1993، وجدت نفسي أمام تجربة رمضانية مختلفة تمامًا عما عشته في عُمان. كان رمضان في المغرب يمزج بين العبادة والاحتفال بالحياة، حيث تنبض المدن بالحركة وتُضاء المساجد والأحياء بأجواء مُفعمة بالنشاط والتواصل الاجتماعي.

مع اقتراب موعد الإفطار، تزدحم الشوارع برواد الأسواق، وكنَّا، كطلبة، نلتقي غالبًا في الأسواق القديمة مثل سوق السويقة وسوق العكاري في الرباط؛ حيث نشتري التمور والفواكه والحلويات المغربية الشهيرة التي أصبحت جزءًا من مائدتنا اليومية. لم يكن الأمر مجرد تسوُّق؛ بل كان طقسًا يوميًا نمارسه بشغف، نستمتع فيه برائحة الخبز الطازج وأصوات الباعة التي تملأ الأزقة بالحياة. وكان كثير منَّا يفضل ممارسة رياضة المشي قبل الإفطار، سواء في أزقة أكدال أو في الغابة القريبة، في محاولة لاستقبال لحظات الإفطار بشهية مفتوحة وصفاء ذهني.

ومن الأجواء الجميلة التي عشناها في المغرب، متابعة الدروس الحسنية التي كانت تُبث يوميًا من القصر الملكي قبيل صلاة المغرب بحضور جلالة الملك الحسن الثاني، رحمه الله. كانت هذه الدروس التي يلقيها كبار العلماء والمفكرين من داخل المغرب وخارجه، تُضفي بُعدًا معرفيًا وروحانيًا على أجواء الشهر الفضيل، حيث تناولت مواضيع في الفقه والتفسير والسيرة النبوية، مما جعلها محطة مهمة لكل من يبحث عن غذاء للعقل والروح خلال رمضان.

وعندما يحين وقت الإفطار، كان للمائدة المغربية سحرها الخاص، حيث اعتدنا، كطلبة، تبادل الزيارات وتنظيم مواعيد الإفطار الجماعي، فلا يكاد يمر يوم دون أن نجتمع في بيت أحد الأصدقاء. كانت السفرة المغربية عامرة بأشهى الأطباق التقليدية، وعلى رأسها “الحريرة”، ذلك الحساء الدافئ الذي أصبح جزءًا من يومياتنا الرمضانية، يرافقه التمر والحليب و”الشباكية” المغطاة بالعسل، و”البريوات” المحشوة باللوز. وبعد الإفطار، كانت الشوارع تستعيد نشاطها، وكأن يومًا جديدًا قد بدأ، حيث يتوافد المصلين إلى المساجد لصلاة التراويح.

وحيث إن معظم الطلبة يسكنون حي أكدال، كان جامع بدر وجهتنا الأساسية لصلاة التراويح. كنا نرتدي في بعض الأوقات الجلابية المغربية وايضًا نرتدي الدشداشة العُمانية وصلاة التراويح شيئًا ما طويلة تمتد لأكثر من ساعة، وكانت المساجد تتبادل الائمة والقراء ومما يميز صلاة التروايح الدعاء الجماعي بين المصلين.

أما في السحور، فكان المغرب يتميز بتقليد “النفّار”، ذلك الرجل الذي يجوب الأزقة وهو ينفخ في بوقه التقليدي، ليوقظ الناس للسحور، في مشهد يعكس التراث المغربي العريق.

إلى جانب الأجواء الروحانية، كانت الأحياء المغربية تحتضن أمسيات وفعاليات رمضانية، من دروس علمية وجلسات الذكر إلى حفلات الإنشاد الديني، مما جعل رمضان في المغرب تجربة شاملة تجمع بين العبادة والثقافة والتواصل الاجتماعي. لقد كان رمضان هناك أكثر من مجرد صيام؛ بل كان حالة وجدانية وروحانية متكاملة؛ حيث تتداخل العادات والتقاليد مع الأجواء الإيمانية، لتصنع تجربة لا تُنسى، تظل محفورة في الذاكرة مهما مرّت السنوات.

الأكثر قراءة