رمضان يجمعنا (2- 15)

ليالي السحور والنوم تحت السماء

 

 

 

حمود بن علي الطوقي

 

أواصل اليوم الكتابة عن ذكريات رمضان في قريتي السباخ بولاية إبراء في محافظة شمال الشرقية؛ حيث كُنَّا كأطفالٍ نستقبل هذا الشهر الكريم بفرحٍ غامر، نعيشُ أجواءً روحانية واجتماعية لا تزال راسخة في الذاكرة. لم تكن العادات الرمضانية تختلف كثيرًا بين القرى العمانية، فالترابط الاجتماعي والتقاليد الأصيلة جعلت من رمضان شهرًا استثنائيًا، تسوده المحبة والبساطة.

أتحدث اليوم عن "السحور"، ومع اقتراب موعد السحور، كانت الحياة تدب في البيوت مجددًا؛ فالأمهات يستعدن لإعداد وجبة الطعام على ضوء القناديل؛ حيث لم تكن الكهرباء قد دخلت قريتنا آنذاك كما هو الحال اليوم. وكُنَّا نعتبر السحور جزءًا أساسيًا من الصيام؛ امتثالًا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "تسحروا فإن في السحور بركة". وكانت مادة السحور تتكون غالبًا من الأرز بالحليب، المعروف محليًا بـ"اليمبا"، إلى جانب عصير الليمون البارد والماء المخزن في الجحال الفخارية؛ ليبقى مُنعشًا حتى وقت تناوله. كُنَّا نُحلِّي بالكاسترد التي يتم تجهيزها قبيل المغرب وتزين بالزبيب والهيل. لم يكن السحور مجرد طعام؛ بل كان لحظة تجمع عائلي؛ حيث يجلس الجميع في سكينة، وسط همسات الليل وضوء القناديل المتراقص، فيما يتبادل الجيران أطباقهم في لفتة تعكس روح التكافل.

كانت حرارة الصيف داخل بيوتنا المبنية بالطين والجص تدفع الأهالي للخروج إلى النوم في "المسيلة"، وهي الساحة المطلة على الوادي؛ حيث الهواء العليل، وتهب الكوس لتقلل من الحرارة. كُنَّا جميعًا عقب صلاة التراويح نتوجه إلى المسيلة كل واحد يحمل منامه، وهي عبارة عن الدوشك والوسادة واللحاف الخفيف، لتغطيتنا من لسعات البعوض؛ وكان الجميع الرجال والنساء والأطفال جميعهم يفترشون الأرض، ولكل فئة موقعها الخاص؛ فالنساء والفتيات في زاوية، والرجال في زاوية أخرى، أما نحن الأطفال فكان لنا ركن بعيد قليلًا؛ حيث نُمنَح مساحة للحديث والسهر دون إزعاج الكبار.

كنا نتحلق في مجموعات صغيرة، نتبادل القصص والضحكات الخافتة، نخشى أن نوقظ آباءنا الذين أنهكهم الصيام. في الخلفية، كان بعض الشباب يستمعون للمذياع بصوت منخفض، تتسلل منه أخبار إذاعة "بي بي سي"، أو آيات قرآنية تُضفي على الليل سكينة خاصة. كان لهذا المشهد طابع فريد؛ حيث يلتقي نسيم الليل بهمسات المذياع، وأصواتنا التي تتلاشى شيئًا فشيئًا مع غلبة النعاس.

ومع اقتراب الفجر، كان الهواء يزداد برودة؛ فنلتحف بقطع القماش الخفيفة، أو نتكور على أنفسنا بحثًا عن الدفء. ومع أول أذان للفجر، تبدأ الحياة تدب في المكان مجددًا، يستيقظ الجميع، لتأدية صلاه الفجر جماعة وتعود الحركة إلى البيوت استعدادًا ليوم صيام جديد.

وكنا نلاحظ الآباء يتوضؤون في مجرى الوادي قبيل السحور والذهاب إلى مسجد القرية لأداء صلاة قيام الليل .

كانت هذه العادات، رغم بساطتها، تشكل جزءًا من هوية رمضان؛ حيث اجتمع الإيمان، والدفء العائلي، وروح الجماعة في ليالٍ لا تُنسى، نعيش اليوم على ذكراها بكل حنين.

الأكثر قراءة