سليمان المجيني
"عنفية الأصدقاء" يبدو مصطلحًا غريبًا وغير معتاد، لكني أدرجته هنا لشعوري أن الصداقة الجيدة لها تأثير كبير على حياة الناس وفي مختلف المستويات سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية وغيرها، الصداقة مؤثرة في علاقات أهل البيت الواحد، ومؤثرة في علاقات الدول إيجابيًا وسلبيًا، ويمكن أن تبني حضارة أو تهدمها في أقل مجهود.
الصداقة بين اثنين هي واحدة من أسمى العلاقات الإنسانية، وأجدر أن تكون أكثر إنسانية بين ممارسيها.
أتحدث عن هذا الأمر لكثرة ما يصل إليّ من أفهام حول تغير الأصدقاء؛ فلم يعودوا يمارسون الصداقة كما يجب أو كما كانت في بداياتها. الأمر غير مرتبط بالانشغال عموما وإنما في التعامل الشفيف نفسه؛ فإذا لم يكن الصديق على ثقة واحترام لصديقه فكيف بالآخر الاستمرار بها، وإذا لم يكن تعاطي الصديق مع الآخر من باب التكافؤ والتساوي والإنصاف فإن الصداقة تتهددها الظنون وربما التراجع.
هذا الأمر يعتمد على الرسائل التي يتلقاها من صديقه، ولأنها، أي الصداقة، مبنية على الثقة فقد لا يتضح الضرر عنده وقتها للفت النظر أو محاولة تغيير السلوك فيكون غير معتاد عن ذي قبل كالاحترام والإجلال والتقدير.
من المهم لبقاء الصداقة قوية عدم إفشاء الأصدقاء لإخفاقاتهم إلى الآخرين، والنظر إلى السحاب على أنه يأتي وينقشع، لأن من تبوح له بإخفاق صديقك سيبدي رأيا قد يؤثر في أولويات تلك الصداقة، وقد تتحول العلاقة إلى مصدر للألم، وبدل تحكيم العقل والمنطق يجبر التفكير السلبي على بقاء الألم أو التخلص منه بصورة غير لائقة تاركا مساحة من العيش الجيد يملؤه الفراغ فيجلب لنفسه الضجر والسأم ويؤثر على طيب العيش وحسن المعشر.
وبالتالي فإن "عنفية الأصدقاء" تحتاج إلى الكثير من التفكير والتحليل العلمي المبني على الموضوعية، فما هو الشعور عندما تكتشف أن من تعتبرهم أصدقاءً أعزاء يرونك شخصًا غير مهم، يعيش على الهامش، ولا يستحق الاهتمام؟ هذا النوع من العلاقات الجامدة هي ما يمكن أن نطلق عليه بالعنفية سابقة الذكر، لأن الألم النفسي أكبر عن الألم الجسدي لعمقه، ولطول مدة التعافي منه على أي حال.
ليس عيبا استغلال الأصدقاء لبعضهم استغلالا حميدا يولد دفقا عاطفيا كبيرا ولكن في المقابل على كل واحد أن يعي ضرورة الاستماع للآخر حتى يحدث التوازن المطلوب. الصداقة الدائمة تحتاج إلى نفس عميق لا يستطيع البعض التعامل معها، فقبول الصديق كما هو وليس كما أريد مهارة وامتياز، أما الحصول على الدعم العاطفي وربما المادي دون تقديم أي شيء في المقابل أو الانتصار للنفس فهو دليل الفهم الناقص. والحقيقة أن علامات عنفية الأصدقاء تتمدد وتزداد مع العنصرية وبعد الصديق عن المبادئ الإنسانية السوية كعدم احترام حدوده.
تظهر عنفية الأصدقاء أيضا في السلوك غير المتكافئ والاستعلائي الذي قد يكون ظاهرًا أو خفيًا، لكنه في النهاية يؤدي إلى شعور أحد الأطراف بأنه أقل أهمية، أو أنه يعيش على هامش حياة الطرف الآخر. هذه العنفية قد تظهر في أشكال مختلفة، مثل فرض الرأي، والظن بصوابيته، وربما في تجاهل مشاعر الآخر أو التقليل منها.
وأعود قليلا إلى ضرورة تحكيم العقل والمنطق الذي أشرت إليهما مسبقا في حديثي عن أهمية بقاء الصداقة في إطار يحكمه معيار مختلف عن الذات لأن الذات لا تحكم إلا من خلال الأنانية والاستئثار وهما أمران لا يستثيران معيارا خارجيا، وبالتالي تكون النتيجة مؤلمة للجميع خصوصا إذا كانت الصداقة قديمة وشهدت مواقف جميلة بين الطرفين، ومع ذلك كما يقال دائما أن القرب سلاح ذو حدين إما أن يشكل علاقة أعمق وإما أن يدعي كل واحد أنه اكتشف سلبية الآخر وهو أمر محير.
لعل تأثير هذه العلامات بالصحة النفسية تكون قوية على علاقة الصداقة غير المتكافئة، ويمكن أن يكون لها تأثير سلبي كبير على الصحة النفسية. الشعور بعدم الأهمية أو القيمة يمكن أن يؤدي إلى تدني احترام الذات والاكتئاب والقلق، وقد يشعر الشخص بالعزلة الاجتماعية، خاصة إذا كان يعتمد بشكل كبير على هذه الصداقة للحصول على الدعم العاطفي.
والتصرف مع مثل هذه المعاملة من الاستعلاء تحتم التقييم الصادق للعلاقة، الخطوة الأولى هي تقييم العلاقة بشكل صادق. هل هذه الصداقة تجلب لك السعادة أم الألم؟ هل تشعر بالتقدير والاحترام أم بالاستغلال والتجاهل؟، بعد هذه الخطوة تأتي خطوة أخرى هي وضع الحدود إذا قررت الاستمرار في العلاقة، من المهم وضع حدود واضحة ومفهومة.
كذلك التواصل الفعال، ففي الوقت الذي تشعر فيه بسلوك صديقك السلبي قد يكون هو غير مدرك لتأثير سلوكه عليك؛ فيؤدي التواصل إلى تحسين العلاقة، أو الابتعاد إذا لزم الأمر إذا كان الاستمرار يؤدي إلى الألم أو لا يمكن إصلاح الأمر، أيضا يمكن البحث عن صداقات جديدة مع أشخاص يقدرونك ويحترمونك، فالصداقات الصحية يمكن أن تعيد لك الثقة بنفسك وتجلب لك السعادة.
"عنفية الأصدقاء" ظاهرة مؤلمة تؤثر بشكل كبير على حياتنا العاطفية والنفسية، أما الصداقة الحقيقية فيجب أن تكون مبنية على الاحترام المتبادل والدعم والتقدير كما ذكرت، والتغاضي عن بعض الهفوات البسيطة، ومن المهم أن تجد صديقا صادقا لمئة عام وليس مئة صديق لعام واحد أو كما يقال.