مصطفى بن مبارك القاسمي
جاءت التوجيهات السامية من لدن المقام السامي لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- بإنشاء محكمة الاستثمار والتجارة كخطوة استراتيجية تعكس فهمًا عميقًا لمتطلبات مرحلة التنمية الاقتصادية والاستثمارية في السلطنة.
هذه المحكمة ليست مجرد هيئة قضائية جديدة؛ بل هي ركيزة مؤسسية جوهرية ضمن مسار التحول الاقتصادي الذي تنشده سلطنة عُمان في إطار رؤيتها الطموحة "عُمان 2040"؛ حيث تشكل العدالة الناجزة والحوكمة الرشيدة والتشريعات المرنة دعائم أساسية لتحقيق نمو اقتصادي مستدام وجاذب للاستثمارات بما يتواءم مع أهداف وأولويات رؤية "عُمان 2040".
وتعزيز البيئة القانونية المرتبطة بالاستثمار يعد عاملًا جوهريًا في تحفيز النمو الاقتصادي، وفي رفع معدلات الثقة لدى المستثمرين وتحسين تنافسية السلطنة على المستوى الإقليمي والدولي.
ووجود محكمة متخصصة في قضايا الاستثمار والتجارة يسهم بشكل مباشر في تقليل الزمن اللازم للبت في النزاعات التجارية، مما يُعزز الاستقرار القانوني ويخلق مناخًا استثماريًا أكثر مرونة جاذبية للمستثمرين.
ويتكامل هذا التوجه مع محاور وأولويات رؤية "عُمان 2040" لا سيما في المحور الرابع في الرؤية المستقبلية والمتعلقة بتطوير القضاء والتشريعات وحوكمة الأداء؛ فالعدالة الفعَّالة والسريعة ليست مجرد مطلب اقتصادي؛ بل هي ضرورة لتأسيس بيئة أعمال ديناميكية ومتجددة، قائمة على الشفافية والمساءلة.
وتعكس هذه الخطوة الالتزام وإيجاد إجراءات نحو تطوير إطار قانوني عصري، يستجيب لمتطلبات الاقتصاد الرقمي، والتجارة الإلكترونية، والاستثمارات العابرة للحدود، وهي قضايا باتت تتطلب استحداث آليات قانونية أكثر تخصصًا وكفاءة.
كما إنَّ الحوكمة والتشريعات المرنة باعتبارها من المرتكزات الأساسية لرؤية "عُمان 2040"، تحتم وجود أنظمة قضائية متخصصة تعتمد على التقنيات الحديثة، وتستند إلى منهجيات مبتكرة في إدارة النزاعات.
هُنا تكمن أهمية دمج التكنولوجيا في عمل محكمة الاستثمار والتجارة وذلك بهدف تحليل القضايا أو تبني منظومات رقمية لتسريع الإجراءات القضائية، أو حتى تطوير آليات التحكيم الإلكتروني والتي باتت جزءًا من مستقبل القضاء التجاري والاستثماري في العالم.
إنَّ هذا التوجه الذي أرساه مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان المُعظم- حفظه الله ورعاه- يعكس رؤية استشرافية بعيدة المدى تتجاوز فكرة إنشاء محكمة متخصصة، إلى تأسيس منظومة قضائية مُتكاملة تخدم مسيرة التنمية الاقتصادية الاستثمارية؛ فوجود قضاء استثماري متخصص قائم على النجاعة والكفاءة والمرونة، هو الضامن الحقيقي لاستدامة النمو الاقتصادي وفي حماية حقوق المستثمرين، وفي تعزيز جاذبية الأسواق العُمانية؛ بما ينسجم مع طموحات سلطنة عُمان لتكون وجهة استثمارية إقليمية وعالمية رائدة.