مدرين المكتومية
الإنسان كائن مُعقد يمتلك عقلًا فريدًا وقدرةً على التفكير والوعي بالذات، لا تتوافر لأي مخلوق آخر في هذا الكون، ولذلك يحرص الكثير من البشر من أصحاب الوعي الصحيح والعميق بالذات، على بناء علاقات نفسية مُتوازنة، بعيدًا عن أي ضغوط يُمكن أن تجلبها لهم الحياة، أو تتسبب فيها تطورات العصر.
وجودة حياة الإنسان مِنَّا، تتأثر سلبًا أو إيجابًا بعلاقاته بذاته وبالآخرين، والسعادة هنا تصبح كلمة السر التي يبحث عنها كل فرد في المجتمع، الأمر الذي يفرض الكثير من التفهم للمتغيرات الحياتية، والاعتراف بالتحديات التي قد يواجهها المرء في مسيرته، ومن ثم يعكف على تطوير الذات وبلورة رؤية شخصية متوازنة للحياة، لكي يتفادى الوقوع في أي مُنزلقٍ.
وبشكل عام، تعيش مختلف المجموعات البشرية تحت وطأة الكثير من التهديدات البيئية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، لكن ما أود الخوض فيه الآن، يتعلق بالتهديدات التي قد يواجهها الشخص في محيطه الاجتماعي، واعتقاد البعض أنك ربما تمثل تهديدًا له، أو لربما اعتقادك أنت أنَّ هناك أشخاصًا بأعينهم هم بمثابة تهديد لك!!
في حقيقة الأمر، قد يبدو هذا الحديث مُبهمًا أو ينطوي على افتراضات مُبالغ فيها، لكن الواقع يؤكد أن الإنسان يأتي إلى هذه الدنيا مُحمّلًا بأعباء وتحديات لم يطلبها ولم يسعَ إليها، مصداقًا لقوله تعالى في سورة البلد "لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ"، والكبد هنا تعني المُعاناة وتحمل المشاق، لكن في الوقت نفسه يُخبرنا القرآن الكريم أنَّه "لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا"، في تأكيد على أنَّ خالقنا يعلم طبيعتنا البشرية، وأنه سبحانه وتعالى لن يُحملنا ما لا نُطيق، وأن أي ضغط يتعرض له الإنسان في حياته، قادر على مواجهته وتحمله، مهما كان قاسيًا.
والإنسان مهما امتلك من الحياة أجملها وأثمنها، إلّا أن هناك شيئًا ما يظل ناقصًا وغير مكتمل، فالكمال لله وحده. كما إن الإنسان قد يجد نفسه في عملية بحث دائمة عن شيء لا يدركه ولا يستطيع حتى إدراكه، لكن قد يظل يلهث وراء هذا المجهول اعتقادًا منه أنه قادر على جني ثمار تعبه وجهده.
لكن في مقابل هذا السعي والمثابرة والحرص على اكتشاف المستقبل، أعتقد أن أفضل ما يُعين المرء على تحمل مُنغصات الحياة، هو ذلك الدفء الذي نحصل عليه من أسرتنا أو أحبائنا أو أصدقائنا؛ فالحب قادر على تذويب الجليد، وتبريد حرارة الشمس في الوقت نفسه. الحب يمنحنا القدرة على الاستشفاء من آلام الحياة، والتعافي من متاعبها التي تظل تلاحقنا حتى آخر نفس!
نقطة أخرى، أرى أنها تسهم بفعالية في تحقيق التوازن النفسي، ألا وهي العطاء، فأنت عندما تكون شخصًا قادرًا على العطاء، وتمتلك كل مقومات الإنسان الناجح، عليك أن تُعطي دون أن تحسب حساباتك وما الذي سيعود عليك؟! لا يجب أن تنظر أو تهتم بما قد يقوله عنك الآخرون، ربما ينظرون إليك نظرة المتوجِّس، الذي يعتقد أنك بمثابة تهديد له، خصوصًا في بيئات العمل ومعتركات الحياة العملية، التي قد تدفعك للتعامل مع فئات وأنواع مختلفة من الشخصيات، منها من قد يفهمك على النحو الصحيح، وهناك من سيفهمك بطريقة خاطئة.
وكذلك الحال بالنسبة لأسرتك، التي دائمًا ما تراك الشخص المسؤول الذي لا يجب عليه قول "لا"، فهُم يريدون منك أن تظل ودودًا ومتعاطفًا ومتراحمًا، لا تشكو مصاعب الحياة، ولا ترفض لهم أي طلب، فهذا ابنك أو بنتك تأتي إليك لتطلب منك غرضًا ما، أو لعبة، فإذا قوبل الطلب بالرفض كان رد الفعل سلبيًا، لأنهم يعتقدون دائمًا أنك يجب أن تظل تقول "نعم.. حاضر.. إن شاء الله.. إلخ".
ولا يقف الأمر عند ذلك؛ بل تجد الموضوع مرتبطًا أيضًا بالأصدقاء؛ فبمجرد أن تتغير ظروفك وتزداد انشغالاتك وقد تعلو في وظيفتك وترتقي لمنصب ما، تُفاجأ بأنَّ البعض منهم يُلقي عليك اتهامات غير حقيقية، وقد يرى البعض أنك "تتعالى" أو "تتكبر"، رغم أن ذلك ليس صحيحًا على الإطلاق، الحقيقة التي لا يدركونها أن مستوى تفكيرك قد تطور نحو الأفضل، وأنك صرت لا تشغل بالك بسفاسف الأمور؛ بل تُركِّز فقط على الأمور المُهمة والمؤثرة في حياتك.
في الواقع، إننا في هذه الحياة نحيا من أجل أن نُحقق ذواتنا، وأن نُعزز التوازن النفسي في دواخلنا، وإذا ما نجحنا في ذلك سنعيش في راحة واطمئنان، أما إذا انشغلنا بالآخرين وما يقولونه عنَّا، سنظل نعاني من حالة التخبط والتيه والفشل المُتكرر. لذلك اختر طريقك: إما أن تنجح أو أن تفشل!