جابر حسين العُماني **
ينظر البعض إلى الزواج وكأنه مجرد فستان أنيق ترتديه العروس ليلة زفافها، أو قاعة احتفالات فخمة وأنيقة بجمالها، أو وليمة فاخرة تقدم فيها أصناف متنوعة من المأكولات والمشروبات والحلويات، أو حفل مهيب يتضمن الموسيقى والرقص والتصوير والفعاليات الترفيهية، ويكون التحضير للزواج على ضوء ذلك فقط لا غير.
وذلك التحضير في حد ذاته يعبر عن مظاهر مادية أغلبها تقوم على الإسراف والتبذير وعادة ما تكون زائلة بمجرد انتهاء ليلة الزفاف، وقد قال تعالى: "وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا" (الإسراء: 26-27)، بينما الزواج الحقيقي الذي ينبغي البحث عنه والتحضير المسبق له بشكل أولى وأفضل هو مشروع حياة يتطلب وعيًا كاملًا بأهمية الحياة الزوجية وتفاصيلها الدقيقة.
لذا من الضروري جدًا قبل الإقدام على مشروع الزواج معرفة معنى الزواج الحقيقي، وكيفية الإعداد المسبق له، وذلك من خلال التعرف على الحقوق والواجبات الزوجية، وإتقان مهارات الحوار، والقدرة على حل النزاعات، وإدارة الأزمات الزوجية بحكمة ودراية، لذا ينبغي التحضير الجاد والمسبق لمشروع الزواج المقدس معنويًا ونفسيًا واجتماعيًا وأخلاقيًا قبل الزواج، وذلك من خلال الاستفادة من الدورات الإرشادية ومراكز التأهيل الأسري، والتجارب الناجحة والملهمة من أهل التجربة والخبرة، والقراءة المتأنية والمركزة والفاحصة، لضمان بناء حياة زوجية ناجحة، آمنة وسعيدة ومستقرة بعيدة عن المنغصات والمعكرات التي قد تطرأ على الحياة الزوجية.
وكما إن المرأة الحامل تستعد استعدادًا دقيقًا لولادة آمنة وسليمة، من خلال المتابعة الدورية مع الأطباء، والاهتمام بالتغذية الصحية لضمان سلامة الجنين، إضافة إلى التسوُّق المبكر منذ بداية الحمل لتوفير كافة المستلزمات الضرورية للجنين، بما يضمن له حياة مستقرة وآمنة ومطمئنة، كذلك أيضا يُنصح الراغبون في الزواج من الشباب بالتحضير المُسبق لمشروع الزواج الناجح، ويتمثل أهم جوانب ذلك التحضير في التهيئة العلمية الرصينة والواعية بهدف صناعة الحياة الزوجية. فمن يدخل الحياة الزوجية مُسلحًا بالعلم يختلف تمامًا عمن يدخلها بجهل، سئل الإمام عليّ بن أبي طالب عن الخير، ما هو؟ فقال: "لَيْسَ اَلْخَيْرَ أَنْ يَكْثُرَ مَالُكَ وَوَلَدُكَ وَلَكِنَّ اَلْخَيْرَ أَنْ يَكْثُرَ عِلْمُكَ وَيَعْظُمَ حِلْمُكَ.."، والإنسان الواعي الحكيم هو من يُخطط بعلم لا بجهل، فتراه يستعد مُبكرًا لمعرفة الحياة الزوجية قبل وقوعها وذلك لضمان زواج ناجح.
إن المظاهر المادية التي يهتم بها البعض على حساب عدم تعلم تفاصيل الحياة الزوجية وكيفية الإقدام عليها قد تكون ضروريةً أحيانا للتحضير لمشروع الزواج، ولكن لا ينبغي أن تُشكّل الهمّ الرئيسي، إذ تستفيد منها جهات أخرى أكثر من الزوجين أنفسهما. لذا ينبغي التحضير الكامل والاهتمام البالغ على الإعداد النفسي والاجتماعي والعائلي من منظور علمي، وذلك عبر تهيئة الشباب لمرحلة زواج ناجحة من خلال التثقيف والتوعية المستمرة قبل الزواج.
اليوم هناك بعض الإحصائيات الحديثة تشير إلى ارتفاع معدلات الطلاق في الوطن العربي والإسلامي، وهو ما أثار الكثير من القلق الواسع في أوساط المجتمعات العربية والإسلامية. وذلك بسبب التقصير الواضح عند البعض في الإعداد العلمي المسبق الذي يركز على أهمية العلاقات الزوجية والأسرية، وكيفية بناء أسرة متماسكة. وبناءً على ذلك، نقترح على الجهات الرسمية التركيز على ضرورة إتمام دورات تأهيلية وتثقيفية للشباب والفتيات قبل الشروع في الزواج، بما يمكن الشباب من بناء أسرة متماسكة ناجحة.
وهذا ما ينبغي أن تتبناه الدول من خلال إعداد دورات تأهيلية أسرية لتأهيل الشباب للحياة الزوجية، وعدم السماح لهم بالزواج إلا لمن حضر تلك الدورات التأهيلية والتثقيفية، ومنح شهادات على ذلك، وذلك لضمان نشر الوعي الاجتماعي وانقاذ الأسرة والمجتمع من شبح الانفصال والطلاق الذي بات يؤرق الكثير من المجتمعات العربية والإسلامية.
أخيرًا: قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ" (التحريم: 6) صدق الله العلي العظيم.
** عضو الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء