أصحاب الأخدود

 

راشد بن حميد الراشدي

 

ما يحدث اليوم في غزة وفلسطين قد حدث في أمم مُؤمنة سابقة قارعت الظلم والطغيان والعبودية التي أراد فرضها طواغيت الضلال الذين يعيثون في الأرض فسادًا وظلمًا وبهتانًا وفجورًا لم تعهده البشرية على مر التاريخ، ولم يُردعهم الخوف من الله أو من أي بشر؛ فمضوا في طغيانهم وظلمهم وقتلهم الأنفس بغير حق.

قصة أصحاب الأخدود ليست ببعيدة عنَّا، وقد رواها القرآن الكريم في محكم التنزيل؛ حيث قال تعالى في سورة البروج: "قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ. النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ. إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ. وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ. وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ. الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ".

وهذه القصة تنطبق اليوم على إخواننا في غزة الذين يبادون ويحرقون بشتى أنواع الأسلحة التي اخترعها البشر من أجل سيطرتهم على الكون ومن أجل من قال كلمة لا إله إلا الله ومن أجل من دافع عن الحق ووقف في وجه شياطين الأرض وأعوانهم الذين اتحدوا لنصرة الظالم على المظلوم.

وفي ظل صمت عالمي مُطبق لم تعهده الفطرة السوية ومع تكالب الأمم الظالمة عليهم، أصبح إخواننا في فلسطين في ديارهم كأصحاب الأخدود الذين تمسكوا بدينهم، ولم ترمش لهم عين مؤمن ولا أحد من البشر، خوفًا مما حلَّ بهم أن يحل بمن قال كلمة الحق، لكن جنود الله في غزة وفلسطين قالوا كلمة الفصل في وجه الظالمين وهم يستبشرون بما عند الله من نعيم مُقيم وفوز ونصر مبين قريبًا بإذن الله.

أطفال غزة وفلسطين ونساؤها وشيبتها وشبابها يُحرقون ويرمون في أخاديد العدو، والكل يُشاهد قصتهم بلا حراك ولا إيقاف من قبل أنظمة الجهل والخيانة ومن شايع المعتدي الظالم.

أصحاب الأخدود العظيم اليوم، هم أهل غزة وفلسطين الذين يتضورون جوعًا وعطشًا، ويتألمون مرضًا، وتُباد وتزهق أنفسهم وأجسادهم وتُحرق حتى تكون رمادًا في الأرض من أجل نزوات عدو غاشم مُعتدٍ أثيم، لن ينال سوى الخزي والعار وخسارة الدنيا والآخرة بإذن الله، وسينتصر أهل الحق وأصحاب الأرض قريبًا، بفضل ثباتهم وصبرهم، فقد اقترب الوعد الحق بإذن الله، وما هي إلا مسألة وقت وسيُولي الجمع الدبر.

أصحاب الأخدود اليوم يُقدِمون فرحًا نحو الشهادة وتقديم الغالي والنفيس من أجل حريتهم ونيل الجنة التي أعدها الله لعباده المتقين المجاهدين، ونُصب أعينهم هدف واحد: إما النصر أو الشهادة؛ فلله در هذه الفئة الباقية على عقيدة الإسلام الناصعة البياض، وهذه القلة من المُؤمنين الذين أثبتوا للعالم أجمع أنَّ الأوطان لا تُباع ولا تُشترى، وأن الإيمان بالله ورسوله هو جوهر المؤمن الصالح التقي.

نسأل الله في هذه الأيام المباركة النصر والتأييد من عنده لعباده المؤمنين، فكفى بغزة ما آلت إليه من جراح وما فقدته من شهداء فهم القابضون على دينهم كالجمر؛ فأصحاب الأخدود في غزة وفلسطين هم الفائزون.

‏اللهم انصر الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين، اللهم لا تُبقي لليهود ومن ناصرهم من باقية، وشرد بهم في البلاد واهزمهم كما هزمت ثمود وعاد. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الأكثر قراءة