التكافل الاجتماعي

 

 

 

أحمد بن سعيد كزرات المعشني

 

في عالم مليء بالصخب والضغوطات، وحياة صعبة تحيطها التعثرات، يأتي التكافل الاجتماعي كنجمة مشرقة في السماء الصافية. إنه يُحيي فينا روح الإنسانية النبيلة والقيم الأخلاقية السامية، ويمنحنا السلام والسعادة عندما نمد أيدينا لتقديم العون وبذله لمن يحتاج إليه في أوقات الشدة. ولا يقتصر هذا التكافل على المستوى الفردي فقط، بل يمتد إلى المجتمع بأسره، سواء كان ذلك بتقديم المساعدة المادية للمحتاجين أو المشاركة في الأعمال الخيرية والتطوعية.

يشمل التكافل الاجتماعي الدعم المعنوي والعاطفي للأفراد الذين يمرون بظروف صعبة. فمن الأجدر أن تُمد يد العون لكل شخص يبدي حاجته، سواء كانت المساندة مادية أو معنوية. فالمسلم مجبول على بذل الرحمة والإحسان لأخيه المسلم، مصداقًا لقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".

إن بناء جسر من الحب والتعاون وتعزيز الانتماء والتضامن هو السبيل للسعادة الحقيقية والرضا الداخلي. ففيه تزدهر الراحة النفسية وتتوطد الروابط الاجتماعية. وعندما نتكاتف، فإننا نبني مجتمعًا قويًا مترابطًا. وفي ظل التفكك العالمي والعصف التقني الذي ينخر في ترابط المجتمعات، يصبح الشعور بالأمان والسعادة المجتمعية أمرًا لا يُقدّر بثمن.

حين نكون أفرادًا في مجتمع مترابط ومتراحم، نؤسس بذلك درعًا واقيًا وجدارًا عاليًا ضد التحديات العالمية التي تستهدف إنسانية الإنسان وتعمل على تفتيت ما تبقى له من وحدة واتصال مع محيطه ومجتمعه.

التكافل الاجتماعي هو خصلة مجتمعية حميدة توارثناها عبر الأزمان والأجيال، ويجب أن نحميها ونرعاها ونحث عليها ما دمنا نحمل قيم الإسلام والعروبة والإنسانية.

المجتمع في محافظة ظفار، على سبيل المثال، يشتهر بالأصالة والنخوة والشهامة؛ فكثيرًا ما نجدهم يدًا واحدة في الرخاء والشدة، وعاداتهم التي تربوا عليها منذ الصغر تظهر في كل المنعطفات. ومن أبرز صور هذا التكافل، حين يعاني مريض من تكاليف علاج باهظة، تجد شيوخ وأعيان القبائل يجتمعون لدعمه ماديًا ومعنويًا، بل ويمتد الأمر إلى إشراك القبائل الأخرى إذا تطلب الوضع.

وتشمل مظاهر التكافل أيضًا المعونات التي يقدمها المجتمع في ظفار لفك كربة المدين، أو دعم الشباب في استكمال تكاليف الزواج من خلال نظام "الشتر" المالي.

إذن، فإن الاستمرار في تطبيق التكافل الاجتماعي، رغم تغيرات العصر، ضرورة قصوى للحفاظ على التلاحم والترابط بين الناس. وبهذا الاستمرار، نقدم القدوة للعالم الذي يغرق في متاهات الفردية والأنانية والتفكك المجتمعي. ومن أعظم القيم التي غرسها النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه هو مبدأ التكافل والتكاتف، الذي تُبنى به قواعد هذه الأمة.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة