عيسى الغساني
كتاب مالك بن نبي "بين الرشاد والتيه"، يُحلل ويؤصِّل مشكلة وأزمة الهوية والتي كما يري المؤلف أنها أي أزمة الهوية السبب الرئيسي والفاعل الذي قاد إلى الانحراف عن طريق النهضة والتموضع في مجال التخلف والتراجع.
ويُطلق مصطلح التيه الحضاري على أزمة الخروج من التاريخ الحضاري والعيش على الهامش وبتعريف آخر التيه حالة ضياع فكري وثقافي بين القيم والانبهار والتأثر بقيم الحداثة وبدون أي دور يذكر على الصعيد الإنساني سوى الغوص في أزمات اقتصادية واجتماعية وأخلاقية عميقة.
التخلف في فكر مالك بن نبي، ليس مجرد مشكلة اقتصادية أو سياسية؛ بل أزمة حضارية شاملة ويتجلى ذلك بفقدان الهوية والابتعاد عن القيم الإسلامية الأخلاقية التي كانت أساس النهضة. ومن ناحية أخرى يرى الرشاد بأنه حالة وعي فكري تحركه إرادة تطور بروح القيم الأخلاقية الثابتة؛ فهنا الفرد مستنير بمبادئ وقيم أخلاقية يُحركها ضمير متقد نحو إدراك الواجب نحو الذات ونحو الآخرين.
ويتطلب الخروج من التيه، إعادة بناء الفرد وتشكيل وعيه على ثوابت تربوية وفكرية صحيحة، والتكامل بين الروح والمادة بمنطق التوازن دون إفراط أو تفريط فالتغيير يبدأ من الذات ومن داخل الفرد، مع أهمية الوعي الحضاري.
والوعي هو إدراك الذات الذي يتصوره الإنسان عن نفسه وعن العالم من حوله ويتعلق بفهم الإنسان لذاته وقيمه وقدراته وعلاقاته بالآخرين، والوعي يعد ركيزة السلوك والتصرف الإنساني بمعنى آخر كيف يفكر الإنسان وكيف يرى العالم من حوله.
وتشكُّل أو تشكيل الوعي الذي مركزه الدماغ والجهاز العصبي، تُحرِّكُه عدة عوامل بيولوجية وبيئة واجتماعية ونمط تعليم ونمط إعلام وتجارب شخصية وتفاعل مع الآخرين والسياق الثقافي وتفكير نقدي وتأمل روحي والعديد من العوامل الأخرى.
لكن ما يُحدد مستوى الوعي هو الوعي الذاتي؛ وهو إدراك الفرد لذاته ومشاعره وقيمه، والوعي الاجتماعي وهو فهم الفرد لدوره في المجتمع ودورة الإيجابي، والوعي الثقافي وهو إدراك القيم والمعتقدات التي تشكل الهوية الثقافية، والوعي الأخلاقي ويكون ذلك بتأصيل القيم الأخلاقية، وينشأ الوعي الفردي بالتعلم والتحليل الذاتي والتفاعل الاجتماعي الإيجابي.