خيال كأس العالم

 

سلطان بن ناصر القاسمي

يدور الحديث الآن، ومنذ أن بدأ منتخبنا الوطني مشوار التصفيات النهائية لمونديال كأس العالم 2026 بالقارة الأمريكية، والطموح لدى الشارع الرياضي كبير في بلوغ المنتخب العُماني للنهائيات، وهذا حق مشروع طبعًا لكل المنتخبات المتأهلة للتصفيات، نظرًا لارتفاع عدد المقاعد لقارة آسيا إلى (8 ونصف) مقعد.

وعليه، بنى الشارع الرياضي ذلك الطموح، إلّا أنه تغافل أو غفل عن الواقع الرياضي في سلطنة عُمان، وأن التأهل لا بد أن يسبقه الكثير من العمل وتكامل الكثير من الجوانب والمعطيات. وما شدني لكتابة هذا المقال هو حديث مدرب المنتخب الكابتن رشيد جابر، الذي كان متوازنًا في الطرح والطموح، عكس الأستاذ مقدم البرنامج الرياضي، والذي في اعتقادي ليس ببعيد عن واقعنا الرياضي بسلطنة عُمان، لكونه مُعلقًا ومقدم برامج رياضية. وبالتالي، كان من الأحرى أن يكون مُدركًا لواقعنا أكثر بحكم موقعه في المنظومة الرياضية بسلطنة عُمان. وعليه، فإنَّ الصعود إلى كأس العالم بالنسبة لنا في عُمان، إن حدث، فهو من وحي الخيال أننا صعدنا. ومن هنا، لا بد للشارع الرياضي أن يعي أمورًا عدة قبل أن يكبر طموحه في الصعود، وحتى لا يحدث الإحباط وتُطلق الانتقادات السلبية جزافًا على الاتحاد أو مدرب المنتخب أو حتى اللاعبين. وهذه النقاط هي:

أولًا: المنظومة الرياضية بالسلطنة: وفي هذا الجانب، أطرح عدة تساؤلات: هل الرياضة وتطورها ضمن أهداف الدولة الأساسية في رؤية "عُمان 2040" أم أنها هدف ثانوي، إن تحقق فلا بأس؟ هل الدعم المُقدم من الحكومة للرياضة يكفي لتحقيق هذا الهدف وأهداف أخرى؟ وهل العمل المقدم من الاتحاد للمنتخبات كافيًا لإيجاد منتخب قوي يصارع منتخبات القارة؟ وإذا نظرنا وقارنا منتخب نهاية التسعينات وبداية الألفية لوجدنا أن هناك ظروفًا خدمت ذلك الجيل، كانت مشابهة وقريبة منَّا مع دول الخليج آنذاك. وبهذا، وجد ذلك الجيل الفرصة في الاحتراف وساهم ذلك في إيجاد منتخب جميل حصلنا من خلاله على كأس الخليج، ولكن لم نصل إلى كأس العالم، ولم نفز أو حتى نصل إلى الأدوار النهائية في البطولات الآسيوية، وكنا نخرج من الدور الأول. إذًا، العمل والواقع لم يختلف، إلا أن الطموح لدى الشارع الرياضي ارتفع عما كان عليه في السابق.

ثانيًا: الأندية العُمانية: وهي- كما يُفترض- الداعمة والرافدة للمنتخب باللاعبين، نجدها تتهاوى من سنة إلى أخرى نتيجة واقعنا الرياضي ومنظومته؛فنجد أندية كبيرة لها سمعتها خلال 50 سنة ماضية، منافِسة على كافة البطولات، تجدها اليوم إما أنها جمّدت نشاط كرة القدم، أو أنها تصارع في الدرجة الأولى والثانية، نتيجةً للديون المتراكمة عليها والتخبط الإداري الذي تعمل به. ولا عزاء في ذلك، ما دام هناك غياب لاستراتيجية عمل فعّالة في الجمعيات العمومية للأندية للأسف. نجد إدارات أندية مستمرة أكثر من 10 سنوات، قد حققت بعضها في بعض الفترات إنجازات محلية، ولكن كل عمل يحتاج إلى تجديد في التخطيط والفكر. الوقوف على مثل هذا الواقع لن يفيد الرياضة، وبالتالي لن يفيد المنتخب. وسؤالي للشارع الرياضي اليوم: أين أنتم من متابعة مباريات أنديتكم؟ لماذا لا تنتقدون واقعها؟ لماذا طموحكم مع المنتخب عالٍ جدًا، وأنتم تعلمون أن المنتخب هو إفرازات الأندية؟ نعم، أنا هنا لا أعمم هذا الواقع على كل الأندية، فهناك إدارات بعض الأندية مجتهدة حسب متابعتي البسيطة. إذًا، أين باقي الأندية من العمل الجيد والتخطيط السليم؟

ثالثًا: اللاعبون وثقة الأداء الدولي: نأتي إلى أهم عامل في منظومة المنتخب، وهم اللاعبون، الذين هم أفضل ما أنتجه الدوري في عُمان. نعم، عندما يلعبون في الدوري المحلي تكون لديهم الثقة والإمكانيات، ولكن عندما يكونون في المنتخب ويلعبون أمام منتخبات لها صولاتها وجولاتها، ولها تاريخها الذي يعتبر أفضل من المنتخب، تجد أكثر من 10 منتخبات بالتصفيات وصلت في السابق إلى كأس العالم، وتمكنت من الفوز بكأس آسيا. نحن واقعنا أقل بكثير مما وصلت إليه تلك المنتخبات.

نعم، أنا لست فنيًا لأحكم على أداء هؤلاء اللاعبين، ولكن من متابعتي البسيطة، نشاهد أن لديهم الخوف وعدم الثقة بالملعب. تجد ذلك في تخلصهم من الكرة بشكل سريع، وعدم استلام وتسليم الكرة للزميل بالشكل الصحيح. تجد أثناء استلامهم للكرة يعملون التفافة حول أنفسهم ويتراجعون بالكرة للخلف، وأعتقد أن واقع اللعبة يقول: اذهب إلى الأمام.

إذن، ماذا يفعل المدرب في "أيام الفيفا"؟ هل تلك الأيام ستنتج منتخبًا يذهب إلى كأس العالم؟ أتمنى من الجمهور فقط في هذه الأوقات الوقوف مع المنتخب ومع المدرب، ودعمهم معنويًا في ظل هذا الواقع الذي نعيشه مع كرة القدم في عُمان.

رابعًا: ضعف الدوري العُماني: عند الحديث عن الدوري، نجد أنه أضعف من الضعيف. يفتقر إلى جودة اللاعبين المميزين، وكذلك إلى وجود اللاعبين المحترفين الذين من الممكن أن يضيفوا للعبة جمالًا. كما إن غياب الجماهير أضعف الدوري، إضافة إلى الحوافز غير الكافية التي ساهمت في هذا الضعف. لذا، لا بُد من الشارع الرياضي أن يقتنع بواقع المنتخب. حقيقة لا أعي أو لا تتوفر لدي المعلومات الكافية عن أسباب ضعف الدوري غير التي ذكرتها. قد تكون هناك أسباب أخرى تتعلق بالتخطيط والاستراتيجية التي يعمل بها الاتحاد. وهذا واقع العمل البشري، فقد تجده ينجح بإمكانيات بسيطة، وقد تجده يفشل رغم توفر أفضل الإمكانيات. ولدينا شواهد في الدول القريبة منا، التي تمتلك إمكانيات ودوريات تضم لاعبين ومدربين ذوي جودة عالية، إلا أنها تصارع مثلنا للصعود.

خامسًا: الإعلام الرياضي ودوره المحوري: الإعلام الرياضي شريك أساسي للمنتخب والرياضة في البلد. ولكن هنا تساؤل: كم من الإعلاميين الموجودين الآن على الساحة الرياضية يمتلكون الشهادة العلمية للإعلام الرياضي؟ وكم من النقاد الرياضيين لديهم شهادات علمية في النقد الرياضي، تمكنهم من قراءة وتخيل المشهد الرياضي بالسلطنة؟

من خلال متابعتي، نجد أن أغلبهم، وليس الكل طبعًا، إما كان لاعبًا أو مدربًا أو عمل في إدارات الأندية، أو حتى ليس له صلة قريبة بالرياضة. فينتقد ويوجه اللوم والإحباط للمنتخب وللمدرب وللاتحاد، وهو لا يعي ما خلف الكواليس أو يتجاهلها إن كان لديه المعرفة. عوضًا عن ذلك، يظهر صناع المحتوى أحيانًا بحثًا عن المشاهدات والمتابعين، فينتقدون المنتخب أو الاتحاد أو المدرب دون معرفة أو صلة بالواقع الرياضي لكرة القدم.

رسالتي للإعلاميين: إن كان لديكم نقاط سلبية تضعون أيديكم عليها، من فضلكم أطرحوها مع الحلول الممكنة لها، حتى يتسنى لنا كجمهور رياضي معرفة الأسباب التي تجعل منتخبنا يتراجع. وإن كان لديكم الحل السحري الذي يمكن أن يجعلنا ضمن المنتخبات المتأهلة، فاستعجلوا به. وإن لم يكن كذلك، فأرجو أن نقف صفًا واحدًا للدفع المعنوي للمنتخب.

سادسًا: دعم القطاع الخاص: أين القطاع الخاص في سلطنة عُمان من مساندة الاتحاد وكرة القدم؟ أين الدعم المجتمعي من تلك الشركات التي تعمل وتربح في هذا البلد؟ ألا تستحق الرياضة وكرة القدم في عُمان مساهماتكم؟ ألا يستحق الجمهور الرياضي في عُمان أن يفرح بدعمكم للمنتخب؟ إن غياب دور القطاع الخاص لا يقتصر على الجانب المالي فحسب، بل يمتد إلى غياب الشراكة الاستراتيجية التي يمكن أن تسهم في تطوير الرياضة في عُمان بشكل شامل، سواء من خلال رعاية الأندية، أو دعم مشاريع تطوير البنية التحتية الرياضية، أو حتى تقديم برامج تعليمية وتدريبية للاعبين الناشئين. كما إن استثمار القطاع الخاص في الرياضة في سلطنة عُمان يُعد فرصة لتعزيز مكانته في المجتمع، وتحقيق مكاسب دعائية واجتماعية طويلة الأمد. وكرة القدم ليست مجرد رياضة؛ بل هي صناعة قائمة بحد ذاتها، قادرة على تحقيق عوائد اقتصادية واجتماعية إذا ما تم استثمارها بالشكل الصحيح، مما يجعل دعم القطاع الخاص ضرورة لتحقيق الطموحات الرياضية الكبرى في عُمان.

وفي ختام هذا المقال.. علينا أن ندرك أن تحقيق الأحلام الكبيرة، كالصعود إلى كأس العالم، يتطلب أكثر من مجرد طموح أو أماني؛ بل يحتاج إلى عمل جماعي يضع في اعتباره الواقع والإمكانيات المتاحة. وإصلاح الرياضة يبدأ من القاعدة، عبر بناء منظومة رياضية متكاملة تركز على تطوير الأندية، تعزيز الدوري المحلي، تأهيل اللاعبين، وإعداد جيل يمتلك الثقة والإرادة للمنافسة على أعلى المستويات. ولا بد من البدء في وضع استراتيجية عمل في منظومة إصدار بطاقات العضوية للأندية، لتعزيز الانتماء. كما يجب أن يتكامل هذا الجهد مع دعم القطاع الخاص والإعلام الرياضي ليكونا شركاء حقيقيين في هذا المسار. ومن المهم أن نتبنى ثقافة النقد البناء التي تسلط الضوء على السلبيات بهدف إيجاد حلول، وليس لإلقاء اللوم أو تثبيط الجهود. إن كرة القدم ليست مجرد لعبة؛ إنها وسيلة لرفع الروح الوطنية وبث الفرح في نفوس الجماهير. وإذا أردنا أن نحقق ما نصبو إليه، فعلينا أن نعمل وفق القاعدة الذهبية: "ما لا يُدرك كله، لا يُترك كله"، ونجتهد خطوة بخطوة لبناء مستقبل أفضل لرياضتنا، فنحن قادرون على الإنجاز إذا وحدنا الجهود واستثمرنا الإمكانيات بحكمة وعقلانية.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة