د. سالم بن عبدالله العامري
تُعد الوثيقة والمخطوطة التاريخية مصدرًا أساسيًا للمعلومات التي ترتكز عليها الدراسات والبحوث العلمية المختلفة باعتبارها أصولًا تاريخية وشاهدًا يُحاكي الماضي والحاضر، وقد نبَّه القرآن الكريم إلى أهمية الكتابة والتوثيق في حيَاة الإنسان في عدّة مواضع منها قوله تعالى :"يَا أيُّها الذين آمَنوا إذا تداينتم بدَيْن إلى أجلٍ مسَمَّى فاكتبوه ولْيَكتب بينكم كاتبُ بالعدل ..." والوثيقة هي الركيزة الحقيقية التي يعتمد عليها الباحثون عن الحقيقة.
وقد أولت حكومتنا الرشيدة اهتمامها بالوثائق الخاصة التي تهم الصالح العام لما تشكله من أهمية للذاكرة الوطنية، وتُعرف الوثائق الخاصة التي تهم الصالح العام بأنها الوثائق التي يملكها أو يحوزها الفرد أو العائلة أو القبيلة وتتضمن معلومات أو بيانات تتجاوز نطاق أي منهم ويمكن الاستفادة منها في مجال البحوث والدراسات.
وتُعد الوثائق الخاصة تاريخًا مُمتدًا للذاكرة الوطنية للإنسان العُماني ومرآة للثقافة الوطنية وسلاح في معركة الوعي التاريخي وهي بمثابة إرث تاريخي وقيمة رمزية تزخر به سلطنة عُمان وذاكرة خالدة من أعماق الزمن توثق ماضي الأمة وترسم ملامح المستقبل ومصدرا مهما للبحث العلمي والإبداع الفكري للمهتمين والمشتغلين في الدراسات والبحوث العلمية. ولكي يكون هذا الإرث التاريخي ذاكرة للأمة والوطن ومرجعًا تاريخيًا وثقافيًا يستمد منه المجتمع قيمه وأخلاقه وهويته على مر الأجيال كان لابد من تعزيز الدور الوطني للأفراد والمجتمعات في نشر ثقافة الاعتناء بالوثائق الخاصة من أجل صون هذا التاريخ والتراث الوطني وحمايته من النسيان.
وفي ذات السياق، وفي إطار جهود هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية للاهتمام بالوثائق الخاصة أقيمت محاضرة تعريفية عن أهمية الوثائق الخاصة ودور الهيئة في الحفاظ عليها في قاعة مكتب والي رخيوت، تطرق خلالها المتحدثون عن أهمية هذه الوثائق ودور الهيئة في الحفاظ عليها، مؤكدين على أهمية جمع وتسجيل الوثائق الخاصة للمواطنين وقيمتها في حفظ تاريخ الأفراد والعائلات والأسر والتعريف بمجالات الحياة العامة وأنماط سلوك أفراد المجتمع وإنجازاتهم، وتعاملاتهم في مختلف الأزمنة والأمكنة.
وفي إطار ما سبق، أودُ أن أرسل رسالتين: الرسالة الأولى إلى جميع أفراد المجتمع المحلي، خصوصًا كل من يملك أو يحوز وثائق خاصة تهم الصالح العام بضرورة تسجيلها لدى الهيئة، مع العلم بأنه يحق لكل من يملك أو يحوز مثل هذه الوثائق بعد تسجيلها لدى الهيئة أن يحتفظ بحقه في الملكية أو الحيازة مع الالتزام بحفظها أو ترميمها أو السماح بترميمها من قبل الهيئة، والإبقاء على مكوناتها وعدم تجزئتها، حسب ما نصت عليه مواد قانون الوثائق والمحفوظات.
أما الرسالة الثانية فهي إلى الجهات الحكومية المعنية بحفظ التاريخ والتراث الوطني بضرورة الاستمرار في العمل على تنفيذ سلسلة من الندوات والمحاضرات وتقديم الدعم المادي والمعنوي لتوثيق تاريخ وتراث ولاية رخيوت والشروع في الإعداد لإقامة ندوة "رخيوت عبر التاريخ"، أسوة ببقية ولايات ومدن السلطنة للتعرف من خلالها على جغرافية وتاريخ وأعلام ولاية رخيوت وملامح النهضة العُمانية الحديثة فيها؛ نظرًا لما تزخر به هذه الولاية من تاريخ عريق وإرث ثقافي وحضاري كبير، وللدور المهم لمثل هذه الندوات في التوعية والبحث عن المعارف والمعلومات من مصادرها الصحيحة والموثوقة ليستفيد منها المختصون والباحثون والمهتمون بدراسة وقراءة التاريخ والتراث والحضارات.
خلاصة القول.. لا بُد من العمل على إبراز الوثائق والاهتمام بها حتى لا يضيع التاريخ، وبالتالي ضياع الحقيقة، وحتى لا يُخطف منا تاريخنا أو تُسلب مِنَّا ذاكرتنا فنصبح- لا قدر الله- أمَّة في مهب الريح بلا تاريخ ولا ذاكرة.