الوفاء للوطن

 

 

◄ لحظتنا الزمنية الراهنة تحتاج لأن تخرج من مسقط رسائل خارجية- إقليميًا ودوليًا- خاصة بعد مواقف عُمان المشرفة- حكومة وشعبًا- تجاه غزة الباسلة

 

د. عبدالله باحجاج

لماذا عَنوَنَّا المقال بالوفاء دون الانتماء؟ لأنَّ الانتماء يُعبر عن مكان النشأة والولادة، فلن نجد هناك من لا يشعر به إلّا استثناء ولكل قاعدة استثناءاتها؛ فالانتماء للوطن جُبلنا عليه، ونحسه في نبضات قلوبنا وفي مجرى دمائنا، بينما الوفاء- كما يقول علماء الاجتماع- هو خصلة اجتماعية تتمثل في التفاني من أجل الوطن، وقيل في الفرق بينهما أنهما أعم وأخص، من هنا يقولون "لكل وفاء صدق، وليس كل صدق وفاء"، فإنَّ الوفاء قد يكون بالفعل دون القول، ولا يكون الصدق إلّا في القول.

لذلك نستحضر اليوم الوفاء في الثامن عشر من نوفمبر المجيد؛ لكي يكون مرجعية حاكمة لكل القوى الطبيعية والاعتبارية في البلاد، ونُشدِّد عليه بصوت مرتفع من الكل مهما كان موقعه أو تموقعاته، فهو مطلوب من المواطن في أقواله وأفعاله وحتى في انفعالاته، ومن المسؤول في رؤاه وقراراته وتخطيطاته وتطبيقاتها وتصريحاته؛ إذ إن ديمومة الاستقرار في وطن الانتماء "الأصلي" لا يكون إلّا بالوفاء، ومن هنا ينبغي أن يكون مسيرنا الوطني 54 عامًا عنوانه "الوفاء" للوطن، والوطن مُكوَّن من السلطة السياسية والمواطنين والحكومة والأرض والسيادة، وتضيف الدراسات الحديثة عنصري الثقافة والحضارة.

وكل كاتب أو مُغرِّد أو مسؤول أو مُفكِّر، ينبغي أن يكون هاجس تفكيره ومنتوجه الفكري، ما يخدم هذا المُكون، خاصة الآن في ظل تحديات وتحولات إقليمية وعالمية راديكالية غير مسبوقة، نذكر منها، عنف الفرد، وإرهاب الجماعات، وإرهاب الدول، وإلارهاب التكنولوجي، وأفكار عابرة للحدود كالمثلية والإلحاد والنسوية، ومواجهتها كلها تتم عن طريق الوفاء من الكل، وفق تراتبية قوة الأفعال والأقوال وانعكاساتها على الثوابت والمشتركات الجامعة لكل مكونات الوطن. لذلك، هناك حاجة وطنية للتقييم والمُضي قدمًا برؤية مواجهة التحديات المختلفة؛ سواءً الداخلية التي اتُخِذَت تحت ضغوط مالية مُقلِقة، ووضع أولوية صناعة إيرادات الدولة من مصادر اقتصادية إنتاجية في الطريق الصحيح، أو عبر إبراز قوتنا الخشنة؛ فقوة الدول اليوم ليست خشنة فحسب؛ بل ناعمة كذلك، وهذه الأخيرة ستكون الفيصل في النصر؛ سواءً وقت التوترات أو الحروب أو السلم.

ومناسبتنا الوطنية اليوم بعيدنا الوطني الـ54 المجيد، تمثل وقفة لمثل هذه التأملات الوطنية، وهي كذلك لبعث رسائل أمنية وعسكرية في توقيتها الصحيح، وسيكون العرض العسكري لقوات السلطان المسلحة الباسلة اليوم كبرى هذه الرسائل؛ حيث ستُعبر عن جاهزيتها الردعية، وحجم تطورها المُتقدِّم ومسيرتها الجادة في تعزيز قوتها بالتقنية والتكنولوجية.

ولحظتنا الزمنية الراهنة تحتاج لأن تخرج من مسقط رسائل خارجية- إقليميًا ودوليًا- خاصة بعد مواقف عُمان المشرفة- حكومة وشعبًا- تجاه غزة الباسلة، واستقواء أطراف بأبعاد تصنع الوهم بالقوة المفرطة؛ فهناك تحديات جيوسياسية عسكرية وأمنية وأخرى عابرة للحدود- نكرر- ينبغي أن تُردَع برسائل مباشرة وغير مباشرة، وسيُظهِر العرض العسكري في احتفال العيد الوطني، قوة البلاد الخشنة وقدراتها وإمكانياتها المُتجدِّدة في الحفاظ على سيادة الدولة في كل الميادين، وبما يُرجِّح ثِقل قرارها السياسي الذي يستفرد بمواقف شجاعة، وبمجرد التفكير في إقامة العرض العسكري وجعله مقدمة للاحتفاء بيومنا الوطني المجيد، نعتبره يدخل في تلكم السياقات التي تستوجب إظهار القوة كردعٍ لإرهاب الجماعات أو الدول.

الأكثر قراءة