علي بن سهيل المعشني
شهدت صناعة المحتوى الرقمي، نموًا كبيرًا خلال السنوات الأخيرة، مدفوعة بانتشار الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وتزايد استهلاك المحتوى الرقمي بين الشباب. ومع ذلك، تُواجه هذه الصناعة عدة تحديات تُؤثر في قدرتها على التطور والاستدامة، وتجعل من الصعب على صنّاع المحتوى الوصول إلى جمهور واسع وتقديم محتوى ذي جودة عالية.
في هذا المقال، سنستعرض أبرز التحديات التي تواجه صناعة المحتوى؛ ومن أهمها: ضعف الموارد المالية؛ حيث يُعد التمويل من أبرز التحديات التي تواجه صنّاع المحتوى العربي، حيث يصعب الحصول على مصادر تمويل كافية لتطوير محتوى عالي الجودة يُلبي احتياجات الجمهور المتنوع. حيث يعتمد الكثير من صناع المحتوى على الدعم الشخصي أو الإعلانات، وغالبًا ما تكون الإيرادات الناتجة غير كافية لتغطية تكاليف الإنتاج، مما يحد من الابتكار ويؤثر على جودة المحتوى. وهذا يعكس ضرورة وجود استثمارات من جهات حكومية أو شركات خاصة تهدف إلى دعم وتطوير المحتوى في الأسواق العربية.
حجم سوق الإعلانات وتباين العائد، ففي الولايات المتحدة وأوروبا، تبلغ قيمة سوق الإعلانات مئات المليارات من الدولارات سنويًا، وتعد من أكبر أسواق صناعة المحتوى في العالم. في مقابل ذلك وعلى الرغم من نمو سوق الإعلانات في العالم العربي بشكل ملحوظ، إلا أنه لا يزال أصغر بكثير مقارنةً بأمريكا وأوروبا؛ حيث أصبحت نسبة الإعلانات وقيمتها السوقية عالية جدًا، في منصات التواصل الاجتماعي.
التأهيل والتدريب.. تُعاني صناعة المحتوى في العالم العربي من نقص في الكفاءات والمهارات المتخصصة؛ حيث تتطلب عملية تطوير المحتوى الرقمي، مهارات متعددة تشمل التصميم الجرافيكي، التحرير، التسويق الرقمي، والتحليل. ومع أن هناك الكثير من المواهب، إلا أن نقص برامج التدريب المتخصصة في مجالات الإعلام الرقمي. ويضاف إلى ذلك وجود البرامج التعليمية التقليدية في الجامعات العربية التي لا تواكب التطورات السريعة في مجال الإعلام الرقمي، مما يتطلب تحديث المناهج وتوفير التدريب المهني المحترف لهذا السوق الكبير.
الرقابة والتحديات الثقافية.. يواجه صناع المحتوى في الوطن العربي قيودًا تتعلق بالرقابة، حيث تفرض بعض الدول قوانين صارمة على المحتوى الرقمي. هذه الرقابة، على الرغم من أهميتها في كثيرٍ من الأحيان، الا أنها قد تحد من حرية التعبير وتقلل من التنوع، مما يجعل من الصعب إنتاج محتوى يلبي احتياجات وتوقعات جميع فئات الجمهور، ويزيد من تقييد عملية الإبداع لدى صناع المحتوى.
ضعف الوصول إلى الجمهور وتحديات الترويج؛ فعلى الرغم من أن عدد مستخدمي الإنترنت في العالم العربي في تزايد مستمر، إلّا أن الوصول إلى جمهور واسع يظل تحديًا بسبب التنافس الكبير، خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي، مما يدفع بصاحب المحتوى إلى استخدام استراتيجيات تسويقية مكلفة مثل الإعلانات المدفوعة لزيادة انتشار محتواه، وذلك يشكل عبئًا إضافيًا على الموارد المالية المحدودة لديه. كذلك، تفتقر بعض الدول إلى البنية الأساسية الرقمية اللازمة التي تسهم في انتشار المحتوى بصورة أفضل، مثل ضعف سرعات الإنترنت في بعض المناطق، مما يؤثر على تجربة المستخدم ويحد من انتشار المحتوى.
قضايا الملكية الفكرية، ويواجه صناع المحتوى في الوطن العربي مشكلة كبيرة تتعلق بالملكية الفكرية، حيث يُعد نسخ المحتوى وإعادة استخدامه بدون إذن من صاحبه أمرًا شائعًا. هذا يثني الكثير من المنتجين المبدعين عن المشاركة في هذه الصناعة خشية من ضياع حقوقهم الفكرية أو سرقة أفكارهم. وغياب قوانين صارمة لحماية الملكية الفكرية أو عدم تطبيقها بفعالية يؤدي إلى خسائر مالية ويضعف الحافز للإبداع.
وأخيرًا.. تُمثِّل صناعة المحتوى الرقمي في الوطن العربي قطاعًا واعدًا، ولكن التحديات المتعددة التي تواجهها تعيق تطورها بالشكل المطلوب. لذلك من المهم أن تتعاون الحكومات والشركات والأفراد لإيجاد حلول مناسبة تتغلب على هذه العقبات، مثل توفير دعم مالي وتدريب للكوادر، وتحديث التشريعات المتعلقة بالملكية الفكرية، وتطوير البنية التحتية الرقمية؛ حيث سيساهم ذلك في تعزيز مكانة المحتوى العربي على الساحة العالمية، وتقديم محتوى إبداعي وقيّم يلبي احتياجات الجمهور ويساهم في تنمية المجتمعات.