مدرين المكتومية
أصبحت الصناعات الاستراتيجية ومن بينها الدفاعية والأمنية جزءًا أصيلًا من التنمية الشاملة، ليس فقط لأنها توفر عائدات مالية جيدة، لكن أيضًا لأنها تُسهم في رفد المنظومة الصناعية الوطينة بأحدث الابتكارات والتكنولوجيا.
ولم تعد هذه الصناعات مجرد عملية تصنيعية لتعزيز الجوانب الأمنية والدفاعية لكنها باتت واحدة من الركائز الاقتصادية التي يعول عليها لتحقيق التنويع الاقتصادي من خلال توطين التقنيات الحديثة وتشجيع الاستثمارات في هذا القطاع الواعد. وقد تشرفت قبل أيام بحضور معرض ومؤتمر "مليبول قطر"، وهو "المعرض العالمي للأمن الداخلي والسلامة".
الأمر لا يتوقف عند المركبات المُصفَّحة، أو بعض المعدات والأسلحة التي تستخدمها الشرطة لفرض النظام والأمن في دولنا، ولكن في الوقت نفسه تقدم حلولًا لقوات الدفاع المدني من خلال عرض أحدث الأدوات والوسائل المستخدمة في إطفاء الحرائق وعمليات الإنقاذ أثناء الفيضانات والسيول والسيطرة على المشكلات ذات الصلة.
ومن أبرز الأركان التي زُرتُها ركن الطائرات المُسيَّرة "الدرونز"؛ وهي تلك التكنولوجيا المتقدمة جدًا والتي تُستخدَم في الأغراض المدنية أكثر من العكسرية، وقد تعرَّفتُ خلال هذه الزيارة على أن من أبرز الدول المُصنِّعة للطائرات المُسيَّرة: الصين وألمانيا وكوريا الجنوبية وتركيا وإيران وغيرها من دول العالم.
وشاهدتُ المركبات المُدرَّعة والتي تستخدمها قوات الأمن لنقل الجنود وغيرها من الاستخدامات، وقد أبهرني مستوى التقدم التكنولوجي الذي باتت عليه هذه الصناعة. ولعلني أذكر هنا أن مصنع كروة للسيارات في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم- وهو استثمار عُماني قطري- يُصنِّع هذه المركبات ونفخر جميعًا بعبارة "صنع في سلطنة عُمان" المطبوعة على كل مركبة.
ولذلك نأمل أن تُنظِّم سلطنة عُمان مثل هذا النوع من المعارض، والتي تجذب الكثير من المُستثمرين وصُنَّاع التقنيات المُتطوِّرة في هذا المجال، والذي يُعد من المجالات المهمة في الثورة التكنولوجية التي نعيش فصولها المتعددة؛ الأمر الذي يجعلنا نهتم بهذه الصناعة. ويجب أن نهتم بضرورة التوسع في توطين مثل هذه التقنيات؛ لأنها تدعم التنويع الاقتصادي وتُوَفِّر مصادر جديدة للدخل الوطني، خاصةً مع ما نشهده من طفرة متقدمة في هذا المجال.
ولا ريب أنَّ مواكبة هذه التقنيات تتماشى مع مُستهدفات رؤية "عُمان 2040"، وخاصة استهداف أن تكون عُمان ضمن أول 20 دولة متقدمة في العالم.
والحقيقة أن دولة قطر الشقيقة لطالما أبهرتنا بقدرتها التنظيمية لمثل هذه المحافل الدولية، سواء من حيث نوعية الحضور والحرص على دعوة وسائل الإعلام الخليجية والدولية، أو من حيث المعرفة المتطورة التي توفرها من هكذا فعاليات. ويُمكن أن تكون مثل هذه المعارض نافذة جديدة للتعاون والتكامل الخليجي، من خلال إتاحة الفرصة لتنظيم معارض مُماثلة في كل دولة خليجية، ليعم النفع والخير الجميع.
إن الحديث عن توظيف التقنيات الحديثة والتوسع في الصناعات الاستراتيجية يجب أن يستحوذ على اهتمام المسؤولين في بلادنا، لما في ذلك من فوائد ومنافع عدة على المستويين الاقتصادي والتكنولوجي، خاصة وأن هذا النوع من الصناعات، بات يحظى بإقبال كبير، والعديد من دول العالم لا تملك المقومات اللازمة للتصنيع، بينما نحن في عُمان نملك العديد من المقومات، سواء اللوجستية أو الكفاءات الوطنية، القادرة على إحداث الفارق.
وأخيرًا.. هذه دعوة صريحة أوجهها لمن يهمه الأمر، بأن ندخل سوق الصناعات الاستراتيجية، خاصة وأن لنا تجربة مزدهرة تتمثل في مصنع كروة بالدقم، ومن ثم فإنَّ أي مشروعات مماثلة أخرى ستفتح الباب أمام فرص توظيف لشبابنا من الباحثين عن عمل، وكذلك تُعزز من مصادر دخلنا اقتصاديًا، إلى جانب جُملة من المنافع الأخرى.