الصين والإمارات: شركاء الماضي والحاضر والمستقبل

 

 

تشو شيوان

خلال الأيام الماضية، أُقيم عدد كبير من الفعاليات الثقافية والإنسانية في كل أنحاء الإمارات، وذلك احتفالاً بالذكرى الأربعين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين جمهورية الصين الشعبية ودولة الإمارات العربية المتحدة، ونتحدث هنا عن العلاقات الدبلوماسية بينما يرجع التواصل والترابط بين شعبي البلدين منذ طريق الحرير القديم، ويمتد إلى عصرنا الحالي ومستمر للمستقبل.

وبعد مرور أربعين عاما من التعاون المثمر، قد وصلت العلاقات الصينية الإماراتية من إلى مرحلة الصداقة الوثيقة والعميقة، وتشارك البلدان المصير نفسه في طرفي القارة الآسيوية، مما أسهم في تحقيق معجزة التنمية المشتركة، وعند استحضار الأربعين عاما الماضية، أرى أن التطور المستمر والصحي والمستقر للعلاقات بين البلدين، كان بفضل التوجيه الاستراتيجي لقادة البلدين والتعاون العملي القائم على المنفعة المتبادلة الذي قدم دعما أساسيا إلى جانب الدعم الشعبي القوي الذي يضخ طاقة مستدامة للتطور المستقبلي.

وفي 1 نوفمبر عام 1984، أقامت الصين والإمارات العلاقات الدبلوماسية رسمياً، وفي ديسمبر عام 1989، زار الرئيس الصيني آنذاك يانغ شانغ كون الإمارات، ثم في مايو عام 1990، قام الرئيس المؤسس للإمارات الشيخ زايد بن سلطان بزيارة دولة إلى الصين، وقد أرست رؤية بعيدة المدى للجيل القديم من القادة أسس الصداقة الصينية الإماراتية. وفي ظل رعاية قادة البلدين، انطلقت العلاقات الصينية الإماراتية نحو آفاق أرحب، حيث أصبحت الإمارات أول دولة خليجية عربية تقيم شراكة استراتيجية مع الصين في يناير 2012، وفي يوليو 2018، قام الرئيس الصيني شي جين بينغ بزيارة تاريخية للإمارات، وأقامت الدولتان علاقة الشراكة الاستراتيجية على نحو شامل.

وبفضل التوجيه الاستراتيجي للرئيس شي جين بينغ وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، قد دخلت العلاقات الصينية الإماراتية أفضل فتراتها. وخلال زيارة الدولة التي قام بها الشيخ محمد بن زايد إلى الصين في مايو من هذا العام، قد أشاد الرئيس الصيني شي جين بينغ بالعلاقات بين البلدين باعتبارها نموذجا للتعاون في العصر الجديد بين الصين والدول العربية. وبدوره، وضع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد العلاقة مع الصين ضمن أولويات سياسته، واصفا الصين بـ"الوطن الثاني"، ويمكن القول إن التواصل الاستراتيجي المستمر بين قادة البلدين، قد مكن العلاقات الثنائية من السير بثبات نحو تطور دائم ومستدام.

وتلتزم الشراكة العملية بين الصين والإمارات بمبدأ المنفعة المتبادلة حيث يتسم البناء المشترك لـ"الحزام والطريق" بين البلدين بتغطية مختلف المجالات لعدة سنوات. كانت الصين الشريك التجاري الأكبر للإمارات، بينما تعد الإمارات السوق الأكبر لصادرات الصين في العالم العربي وإحدى أبرز وجهات الاستثمار. ومن التعاون في مجالات الطاقة التقليدية والتجارة والاستثمار إلى مجالات التصنيع المتقدم والاقتصاد الرقمي والطاقة المتجددة والصناعات الدوائية البيولوجية، قد حققت الشراكة بين البلدين العديد من الإنجازات الإقليمية والعالمية، مما عاد بفوائد ملموسة على شعبي البلدين، وقدم دعما مهما للعلاقات الثنائية.

نعرف أن أساس الصداقة الصينية الإماراتية يكمن في الشعبين، ولن ينسى الشعب الصيني التبرع الإماراتي بمبلغ 50 مليون دولار في أعقاب الزلزال المدمر الذي ضرب مقاطعة سيتشوان في الصين عام 2008، وهو ما عبر عن مشاعر التضامن في أوقات الشدة. وخلال جائحة كوفيد-19 في عام 2020، تم إضاءة برج خليفة، المعلم الشهير في الإمارات برسائل تشجيعية مثل "كوني قوية يا ووهان!" الإمارات هي أيضا الدولة التي تضم أكبر جالية صينية في منطقة الشرق الأوسط، حيث تزدهر مجالات التعاون الثقافي والتعليم والسياحة بين البلدين.

وقد حصل ثلاثة مواطنين إماراتيين على جائزة الصداقة للحكومة الصينية في السنوات الأخيرة. وبالنسبة لمشروع تعليم اللغة الصينية في مائتين مدرسة إماراتية الذي أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، وحقق هذا المشروع نجاحا ملحوظا مما أدى إلى ازدياد الإقبال على تعلم اللغة الصينية. وفي مايو من هذا العام، أرسل الرئيس شي جين بينغ رسالة رد لطيفة إلى طلاب هذا المشروع، وقد حظي عرض فرقة الباليه الوطنية الصينية الذي قدم في الإمارات بداية هذا العام بإعجاب واسع، وأصبحت سلسلة الفعاليات الاحتفالية بالذكرى الأربعين للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين حديث الساعة. الإمارات هي أيضا أول دولة في منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا توقع اتفاقية إلغاء التأشيرات مع الصين، وتظل واحدة من الوجهات المفضلة لدى السياح الصينيين، ونحن على ثقة بأنه تماشيا مع تعزيز التفاهم المتبادل بين شعبي البلدين، فإن بناء أساس قوي للصداقة الصينية الإماراتية سيمضي قدما، مما يضخ طاقة مستدامة جديدة في تطور العلاقات الثنائية.

وختامًا.. يمكننا القول إنه في الوقت الراهن، تقف العلاقات الصينية الإماراتية عند نقطة تحول تاريخية، مما يوفر فرصة ذهبية لرفع مستوى التعاون بين البلدين وستركز المرحلة القادمة على تعزيز التعاون في مجالات التصنيع المتقدم والاقتصاد الرقمي، وتقنيات الفضاء والذكاء الاصطناعي، والطاقة المتجددة والصناعات الدوائية البيولوجية، سعيا لتحقيق "السرعة القصوى" في الشراكة بين الصين والإمارات، وتعزيز مضمون الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين.

الأكثر قراءة