رامي بن سالم البوسعيدي
لا شك أنَّ تمكين المحافظات ومنحها صلاحيات أوسع يُعد خطوة جوهرية نحو تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، ويعكس توجه السلطنة نحو اللامركزية وإشراك المجتمع المحلي في صنع القرار، هذه الاستراتيجية تنسجم مع رؤية "عُمان 2040"، التي تهدف إلى تحقيق تنمية شاملة ومتوازنة ترتكز على بناء القدرات المحلية وتوزيع الموارد بشكل عادل، ويعتمد هذا التمكين على تمويل مشاريع التنمية، وتطوير البنية الأساسية، وتعزيز الفرص الاستثمارية التي تتماشى مع احتياجات كل محافظة.
تمكين المحافظات يعني تمكين الجهات المحلية في كل محافظة من إدارة شؤونها الخاصة، بما يشمل تحديد المشاريع ذات الأولوية، وإدارة الموارد المالية والبشرية، والعمل على تطوير الخدمات العامة، كما يعتمد مفهوم اللامركزية على توزيع الصلاحيات بين الحكومة المركزية والجهات الموجودة في المحافظات، بحيث تتاح للمحافظات مرونة أكبر في اتخاذ القرارات التي تتعلق بها مباشرة، واللامركزية الإدارية تهدف إلى تخفيف الأعباء على الحكومة المركزية، وتقلل الاعتماد على محافظة مسقط كمركز وحيد لصنع القرار، مما يمنح المحافظات حرية وسرعة في اتخاذ القرارات التي تخدم مصالحها واحتياجات المواطنين.
تمكين المحافظات مرتبط بشكل مباشر في التنمية الاقتصادية المتوازنة، ويمكن من خلالها للمحافظات أن تطور برامج اقتصادية تناسب قدراتها الطبيعية والبشرية، مثل تطوير السياحة البيئية في المناطق الريفية أو الجبلية أو الصحراوية وأي ممكنات تنفرد بها المحافظة أو تحسين الصناعات الصغيرة والمشاريع الزراعية، مما يسهم في توزيع الثروة ويقلل الفجوة بين المناطق المختلفة، وهو ما يساهم في تحقيق فعالية أكبر في إدارة وتحفيز النمو الاقتصادي المحلي، ويمكن تشجيع رجال الأعمال والمستثمرين المحليين على البدء في مشاريع اقتصادية جديدة تخدم مجتمعاتهم.
الحكومة بدأت فعليًا في هذه الخطوات، ولنا في توجيهات حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- مثال من خلال زيارات جلالته للمحافظات ومخاطبة المواطنين، وتأكيده على أهمية المجالس البلدية ثم تخصيص مبالغ تنموية للمحافظات، وهو ما نراه خطوة في الاتجاه الصحيح سيؤدي إلى تحقيق عدة أهداف اجتماعية واقتصادية، أهمها التنمية الشاملة والمستدامة عبر تحقيق التوازن التنموي بين مختلف محافظات السلطنة وتقليل الهجرة الداخلية نحو المدن الكبرى، ويساهم هذا بلا شك في رفع مستوى الحياة في المناطق الريفية والنائية، ويخلق فرصًا جديدة للشباب، كما سيكون له دور كبير في تحفيز الابتكار وتحسين كفاءة الخدمات، خاصة عندما تتولى المحافظات مسؤولية إدارة شؤونها، وتتاح الفرصة للابتكار في تقديم الخدمات؛ حيث يمكن للمسؤولين استخدام أساليب جديدة في إدارة وتطوير الخدمات العامة.
هذا التناغم سيساهم بشكل فعال في رفع مستوى البنية التحتية في المحافظات، وهو يعد من أبرز أهداف التمكين، حيث يمكن لكل محافظة أن تخطط وتنفذ مشاريع في مختلف المجالات سواء في الصحة والتعليم والنقل وغيرها بما يتناسب مع احتياجاتها.
وبالرغم من الفوائد الكبيرة التي يمكن أن تحققها عملية تمكين المحافظات، إلا أن هناك تحديات يجب تجاوزها لضمان نجاح هذه السياسة، أبرزها التباين في الموارد والقدرات بين المحافظات، وقد تواجه بعض المحافظات- خصوصًا الأقل نموًا- صعوبة في تنفيذ المشاريع بنفس كفاءة المحافظات الأخرى، يمكن التغلب على هذا التحدي من خلال دعم القدرات المحلية وتعزيز الكفاءات البشرية، كما أن التمويل المستدام للمشاريع المحلية يعتبر تحدي آخر في تمويل كافٍ للمشاريع المحلية، مما يستدعي توفير آليات تمويل مستدامة لضمان استمرار المشاريع، وهو ما ركزت عليه الحكومة بتنفيذ الأوامر السامية بمنح كل محافظة مبلغ 20 مليون ريال عُماني خلال الخطة الخمسية العاشرة.
ومن أجل تجاوز جميع التحديات وضمان تحقيق نتائج إيجابية من تمكين المحافظات، يمكن اعتماد استراتيجيات عدة تساعد في إنجاح هذا التوجه، أولها ضرورة إنشاء برامج تدريبية لتطوير الكوادر المحلية وتمكينها من إدارة المشاريع، وتحقيق كفاءة عالية في استخدام الموارد وإدارة التحديات، ويمكن إطلاق برامج تمويلية خاصة للمحافظات، عبر تخصيص ميزانيات خاصة مستدامة للمشاريع التنموية في كل محافظة، وتقديم قروض ميسرة تدعم مشاريع التنمية المستدامة، بجانب تعزيز الشراكات بين المحافظات والقطاع الخاص المحلي، حيث يمكن للقطاع الخاص أن يلعب دورًا كبيرًا في تنفيذ المشاريع المحلية، سواءً من خلال الاستثمار المباشر أو الشراكات العامة والخاصة، مما يخفف العبء المالي على الدولة ويشجع التنمية المحلية.
خلاصة القول.. نؤمن بأن تمكين المحافظات هو خطوة جوهرية نحو تحقيق رؤية "عُمان 2040"؛ حيث يسهم في تحقيق تنمية شاملة وموزعة في مختلف ولايات السلطنة، ويدعم الاقتصاد الوطني بشكل مستدام، ورغم التحديات التي قد تعترض هذه الجهود، إلّا أن تعزيز القدرات المحلية، وتطوير البنية التحتية، وتشجيع الاستثمار المحلي، وتطبيق استراتيجيات تنموية مناسبة ستضمن نجاح عملية التمكين وخلق مستقبل أكثر إشراقًا للبلاد.