خليفة بن عبيد المشايخي
في أحيانٍ كثيرة تستولي على الإنسان عدة أفكار مُحبِطة ووسواس قهقري، فيُذهب العقل ويحطم الآمال، ويُكدِّر الخاطر ويُحزِن النفس، وذلك حينما يرى ذاك أن البعض وهبهم الله عطايا ونعماً بينما يعتقد أنَّه محروم منها!
وهنا يتدخل الشيطان بقوة، ليحيل بوصلة ذاك الفكر إلى أمور لا يحمد عقباها، ونتيجة لضعف الإيمان واليقين بالله وسوء الظن به جلَّ جلاله، مُعتقدًا أن الله حرمه مما يُريده ويتمناه، وحاشا لله أن يكون كذلك.
الله جلَّ جلاله واحد أحد فرد صمد، ليس يضره عصيان عاصٍ ولا تنفعه عبادة عابد، فهو مالك الملك يؤتي الملك من يشاء وينزعه ممن يشاء، هو القوي سبحانه وهو القادر المُقتدر، والقاهر والباطن والمعز والمذل والرازق والشافي، يدبر الأمور كيفما يشاء، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، وتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
والنعم التي يحصل عليها بعض النَّاس، ومنها الشهرة والسمعة والسعة في الرزق وكثرة الخير ووفرته، إنما هي امتحان وابتلاء، لينظر أينا أحسن عملا، وليرى صدقنا وإخلاصنا وإيماننا.
فإن كنت أخي الكريم تفكر في المنصب فلا يغرك ذلك فهو فتنة أعمت الكثيرين عن المقصد الذي خلقوا من أجله، وأوصلت بعضهم إلى التكبر والتعالي على الناس، وإن كنت تتمنى كثرة المال، فحلاله حساب من أين اكتسبته وفيما أنفقته، وحرامه عقاب يسعر بصاحبه في نار جهنم والعياذ بالله.
وإن كان أيها القاريء الكريم عظم لديك الجاه، فهو غواية جعلت زليخة تظلم نبياً، فلا تحزن لأنَّ رب الخير لا يأتي إلا بالخير، ولا تجعل تأخر الرزق سببًا في تعاستك وحزنك وكثرة همك وشقائك في الدنيا وخسارتك في الدارين.
اقترب من الله تعالى بتخليك عن كافة الذنوب والمعاصي، وكن كما أمرك أن تكون في حلك وترحالك وإقامتك، لا تسيئ الظن بالله واصطبر لعبادته؛ فأداؤك للصلوات في جماعة وسائر العبادات والشعائر الدينية، يحتاج إلى مجاهدة النفس والصبر على البلاء خيره وشره، وابتعد عن أصحاب ورفقاء السوء والناس غير الصالحين، ولا تكن ساخطاً وناقماً على الله تعالى، ومبتعدا عنه أو لست براضٍ عن ما أنت فيه، اترك الدنيا بقربك من الله وسيجعل لك مخرجا.
إنَّ هذه الدنيا قنطرة نعبر من خلالها إلى الآخرة، والإنسان خلق فيها في ضنك وتعب ومشقة، فاذا أعطي هذا حرم من ذاك، فان أعطي مثلا المال، لربما حرم من الأولاد وقلة الذرية ووجد ربما عقيما، أو حرم من الصحة بمرض ما أو عله، سواء فيه هو أو في زوجته أو أحد أولاده أو والديه.
وليس كل ذي نعمة ليس عنده وبه نقص ومعاناة ومأساة ومصائب، وخال من الألم والأوجاع والهموم والفقد، فإذا كان الأنبياء ابتلوا أيما ابتلاء في أنفسهم وأولادهم وأموالهم، فكيف بنا نحن.
وإذا جل جلاله أراد شيئا، تغيرت حينئذ قوانين ونواميس الحياة، فصار البحر لا يغرق، والنار لا تحرق والجبل لا يعصم، والحوت لا يهضم والعذراء تلد.
ومن هنا أعمل على تقوية علاقتك بالله واعتصم به، وتأكد أن ما أنت فيه من مكان وحال، بعلم الله ومشيئته، وأنه جل جلاله يعلم ما أنت فيه من مكانة، وأنه الأنسب والأفضل لك.